ولما كان معنى ﴿ألم تر﴾ هل رأيت لأن هل كما ذكر الرضي وغيره تختص مع كونها للاستفهام بأن تفيد فائدة النافي حتى جاز أن يجيء بعدها ﴿إلا﴾ قصداً للايجاب كقوله سبحانه تعالى ﴿هل جزاء الإحسان إلا الإحسان﴾ [ الرحمن : ٦٠ ] وقوله سبحانه وتعالى ﴿هل هذا إلا بشر مثلكم﴾ [ الأنبياء : ٣ ] كان كأنه قيل : هل رأيت الذي حاج إبراهيم ﴿أو﴾ هل رأيت ﴿كالذي﴾ ويجوز أن يكون التقدير لأن أخبار الأولين إنما هي مواعظ لنا : أقومك كهذا المحاج لأعظم إبائهم فهم يقولون : إن الإحياء ليس على حقيقته بالبعث بعد الموت،
أو هم كالذي ﴿مر﴾ قال الحرالي : من المرور وهو جعل الشيء على مسلك إلى غيره مع التفات إليه في سبيله ﴿على قرية﴾ وهي التي خرج منها الألوف أو بيت المقدس ﴿وهي خاوية﴾ أي متهدمة ساقطة جدرانها ﴿على عروشها﴾ أي سقوفها،
أو خالية على بقاء سقوفها.
قال الحرالي : من الخوا وهو خلو الشيء عما شأنه أن يعينه حساً أو معنىً،
والعروش جمع عرش من نحو معنى العريش وهو ما أقيم من البناء على حالة عجالة يدفع سورة الحر والبرد ولا يدفع جملتها كالكن المشيد،
فكان المشيد في الحقيقة عريشاً لوهاء الدنيا بجملتها في عين الاستبصار - انتهى.
ولما كان كأنه قيل : ما الذي في حاله ذلك مما يعجب منه ؟ قيل :﴿قال أنى يحيي هذه﴾ أي القرية ﴿الله﴾ أي الذي له الأمر كله ﴿بعد موتها﴾ أي بما صارت إليه من الخراب وذهاب الأهل فيعيدها إلى ما كانت عليه عامرة آهلة.
قال الحرالي : وفي لفظة " أنى " لشمول معناها لمعنى كيف وحيث ومتى استبعاده الإحياء في الكيف والمكان والزمان،
ومنشأ هذا الاستبعاد إنما يطوق النفس من طلبها لمعرفة تكييف ما لا يصل إليه علمها - انتهى.