والقول الثاني : أن يحمل اللفظ على كل من آمن بمحمد ﷺ سواء كان ذلك الإيمان بعد الكفر أو لم يكن كذلك، وتقريره أنه لا يبعد أن يقال يخرجهم من النور إلى الظلمات وإن لم يكونوا في الظلمات ألبتة، ويدل على جوازه : القرآن والخبر والعُرْف، أما القرآن فقوله تعالى :﴿وَكُنتُمْ على شَفَا حُفْرَةٍ مّنَ النار فَأَنقَذَكُمْ مّنْهَا﴾ [ آل عمران : ١٠٣ ] ومعلوم أنهم ما كانوا قط في النار وقال ﴿لَمَّا ءَامَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخزى﴾ [ يونس : ٩٨ ] ولم يكن نزل بهم عذاب ألبتة، وقال في قصة يوسف عليه السلام :﴿تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بالله﴾ [ يوسف : ٣٧ ] ولم يكن فيها قط، وقال :﴿وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ العمر﴾ [ النحل : ٧٠ ] وما كانوا فيه قط، وأما الخبر فروي " أنه ﷺ سمع إنساناً قال : أشهد أن لا إله إلا الله، فقال على الفطرة، فلما قال : أشهد أن محمداً رسول الله، فقال خرج من النار "، ومعلوم أنه ما كان فيها، وروي أيضاً " أنه ﷺ أقبل على أصحابه فقال : تتهافتون في النار تهافت الجراد، وها أنا آخذ بحجزكم "، ومعلوم أنهم ما كانوا متهافتين في النار، وأما العرف فهو أن الأب إذا أنفق كل ماله فالابن قد يقول له : أخرجتني من مالك أي لم تجعل لي فيه شيئاً، لا أنه كان فيه ثم أخرج منه، وتحقيقه أن العبد لو خلا عن توفيق الله تعالى لوقع في الظلمات.
فصار توفيقه تعالى سبباً لدفع تلك الظلمات عنه، وبين الدفع والرفع مشابهة، فهذا الطريق يجوز استعمال الإخراج والإبعاد في معنى الدفع والرفع والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٧ صـ ١٨﴾
فائدة
قال ابن عاشور :


الصفحة التالية
Icon