وذلك أن ملكاً تصوّر في صورة أبْرَصَ مرةً وأقْرَع أُخرى وأعْمى أُخرى امتحاناً للمسؤول.
وقال بِشْر بن الحارث : رأيت علياً في المنام فقلت : يا أمير المؤمنين! قل لي شيئاً ينفعني الله به ؛ قال : ما أحسن عطف الأغنياء على الفقراء رغبة في ثواب الله تعالى، وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء ثقة بموعود الله.
فقلت : يا أمير المؤمن زِدني ؛ فولَّى وهو يقول :
قد كنتَ مَيْتاً فصرتَ حيّا...
وعن قليل تصير مَيْتَا
فاخرب بدار الفناء بَيْتاً...
وابن بدار البقاء بيتا.
قوله تعالى :﴿وَمَغْفِرَةٌ﴾ المغفرة هنا : الستر للخَلّة وسوء حالة المحتاج ؛ ومن هذا قول الأعرابيّ وقد سأل قوماً بكلام فصيح فقال له قائل : مِمّن الرجل ؟ فقال له : اللهم غَفْرا سُوءُ الاكتساب يمنع من الانتساب.
وقيل : المعنى تجاوزٌ عن السائل إذا ألحّ وأغلظ وجفَى خيرٌ من التصدّق عليه مع المنِّ والأذى ؛ قال معناه النقّاش.
وقال النحاس : هذا مشكل يبيّنه الإعراب.
" مَغْفِرَةٌ" رفع بالابتداء والخبر ﴿خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ﴾.
والمعنى والله أعلم وفِعل يؤدي إلى المغفرة خير من صدقة يتبعها أذى، وتقديره في العربية وفعل مغفِرةٍ.
ويجوز أن يكون مثل قولك : تفضُّلُ الله عليك أكْبَرُ من الصدقة التي تَمُنّ بها، أي غفران الله خير من صدقتكم هذه التي تمُنّون بها. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٣ صـ ٣٠٩ ـ ٣١٠﴾
وقال أبو حيان :
﴿قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى﴾ أي : ردّ جميل من المسؤول، وعفو من السائل إذا وجد منه ما يثقل على المسؤول من إلحاح أو سب أو تعريض بسبب، كما يوجد في كثير من المستعطين، وقيل : معنى و : مغفرة، أي : نيل مغفرة من الله بسبب الرد الجميل.
وقيل : ومغفرة، أي عفو من جهة السائل، لأنه إذا رده ردّاً جميلاً عذره.


الصفحة التالية
Icon