ولم يتقدم ذكر للصدقة إلاّ أنّها تخطر بالبال عند ذكر الإنفاق في سبيل الله، فلما وصف الإنفاق في سبيل الله بصفة الإخلاص لله فيه بقوله :﴿الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما انفقوا﴾ [ البقرة : ٢٦٢ ] الآية انتقل بمناسبة ذلك إلى طرد ذلك الوصف في الإنفاق على المحتاجين ؛ فإنّ المنّ والأذى في الصدقة أكثر حُصولاً لكون الصدقة متعلّقة بأشخاص معيّنين، بخلاف الإنفاق في سبيل الله فإن أكثر من تنالهم النفقة لا يعلمهم المنفِق.
فالمنّ على المتصدّق عليه هو تذكيره بالنعمة كما تقدم آنفاً.
ومن فقرات الزمخشري في " الكَلِم النَّوابغ" :" طَعْمُ الآلاء أحْلى من المنّ.
وهوَ أمَرُّ من الآلاء عند المنّ" الآلاء الأول النعم والآلاء الثاني شَجر مُر الورق، والمنّ الأول شيء شِبْه العسل يقع كالنَّدَى على بعض شجر بادية سِينا وهو الذي في قوله تعالى :﴿وأنزلنا عليكم المن والسلوى﴾ [ البقرة : ٥٧ ]، والمنّ الثاني تذكير المنَعم عليه بالنعمة.
والأذى الإساءة والضرّ القليل للمنعم عليه قال تعالى :﴿لن يضروكم إلا أذى﴾ [ آل عمران : ١١١ ]، والمراد به الأذى الصريح من المنعِم للمنعم عليه كالتطاول عليه بأنّه أعطاه، أو أن يتكبّر عليه لأجل العطاء، بله تعيِيره بالفقر، وهو غير الأذى الذي يحصل عند المن.
وأشار أبو حامد الغزالي في كتاب الزكاة من " الإحياء" إلى أنّ المنّ له أصل ومغرس وهو من أحوال القلب وصفاته، ثم تتفرّع عليه أحوال ظاهرة على اللسان والجوارح.


الصفحة التالية
Icon