ومعنى الطمأنينة حينئذ سكون القلب عن الجولان في كيفيات الإحياء المحتملة بظهور التصوير المشاهد، وعدم حصول هذه الطمأنينة قبل لا ينافي حصول الإيمان بالقدرة على الإحياء على أكمل الوجوه، ولا أرى رؤية الكيفية زادت في إيمانه المطلوب منه عليه السلام شيئاً وإنما أفادت أمراً لا يجب الإيمان به، ومن هنا تعلم أن علياً كرم الله تعالى وجهه لم يثبت لنفسه مرتبة في الإيمان أعلى من مرتبة الخليل فيه بقوله : لو كشفت لي الغطاء ما ازددت يقيناً كما ظنه جهلة الشيعة وكثير من أصحابنا لما لم يقف على ما حررنا تجشم لدفع ما عسى أن يتوهم من كلامي الخليل والأمير من أفضلية الثاني على الأول فبعض دفعه بأن اليقين يتصور أن يطرأ عليه الجحود لقوله تعالى :﴿ وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتها أَنفُسُهُمْ ﴾ [ النمل : ١٤ ] والطمأنينة لا يتصور طرو ذلك عليها ونسب هذا لحجة الإسلام الغزالي وفي القلب منه شيء، وبعض قرر في دفعه أن مقام النبوة مغاير لمقام الصديقية، فلمقام النبوة طمأنينة وعدم طمأنينته بحسبه، ولمقام الصديقية طمأنينة وعدم طمأنينته بحسبه أيضاً، وطمأنينة مقام النبوة كانت لخاتم النبيين ﷺ كما كشف عنها بقوله تعالى :﴿ أَلَمْ تَرَ إلى رَبّكَ كَيْفَ مَدَّ الظل ﴾ [ الفرقان : ٤٥ ] على ما يعرفه أهل الذوق من الآية وكان الاستعداد من إبراهيم وكذا من موسى عليهما السلام متوجهاً إلى ابتغاء تلك الطمأنينة كما أبانا عن أنفسهما بـ ﴿ رَبّ أَرِنِى كَيْفَ * يُحْيِىَ الموتى ﴾ و﴿ رَبّ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ ﴾ [ الأعراف : ١٤٣ ] وطمأنينة مقام الصديقية كانت للصديقين من أمة محمد ﷺ كما أبدى عن نفسه إمام الصديقين كرم الله تعالى وجهه بقوله :" لو كشف" الخ، وكان الاستعداد في صدِّيقي سائر الأنبياء متوجهاً إلى ابتغاء تلك الطمأنينة فثبتت الفضيلة لمحمد ﷺ على سائر إخوانه من الأنبياء والصديقية