ثم عمدت إلى الانتزاع من هذا المال انتزاعاً منظّماً فجعلت منه انتزاعاً جبرياً بعضه في حياة صاحب المال وبعضه بعد موته.
فأما الذي في حياته فهو الصدقات الواجبة، ومنها الزكاة، وهي في غالب الأحوال عشر المملوكات أو نصف عشرها أو ربع عشرها.
وقد بيّن النبي ﷺ وجه تشريعها بقوله لمعاذ بن جبل حين أرسله إلى اليمن " إن الله فرض عليهم زكاة تُؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم " وجعل توزيع ما يتحصّل من هذا المال لإقامة مصالح الناس وكفاية مؤن الضعفاء منهم، فصاروا بذلك ذوي حق في أموال الأغنياء، غير مهينين ولا مهددّين بالمنع والقساوة.
والتفت إلى الأغنياء فوعدهم على هذا العطاء بأفضل ما وُعد به المحسنون، من تسميته قرضاً لله تعالى، ومن توفير ثوابه، كما جاءت به الآيات التي نحن بصدد تفسيرها.
ويلحق بهذا النوع أخذ الخمس من الغنيمة مع أنّها حق المحاربين، فانتزع منهم ذلك وقال لهم :﴿واعلموا أنّ ما غنمتم من شيء فإنّ للَّه خمسه وللرسول﴾ إلى قوله ﴿إن كنتم آمنتم بالله﴾ [ الأنفال : ٤١ ] فحَرضهم على الرضا بذلك، ولا شك أنّه انتزعه من أيدي الذين اكتسبوه بسيوفهم ورماحهم.
وكذلك يلحق به النفقات الواجبة غير نفقة الزوجة لأنّها غير منظور فيها إلى الانتزاع إذ هي في مقابلة تألُّف العائلة، ولا نفقةِ الأولاد كذلك لأنّ الداعي إليها جبلِيّ.
أما نفقة غير البنين عند من يوجب نفقة القرابة فهي من قسم الانتزاع الواجب، ومن الانتزاع الواجب الكفارات في حنث اليمين، وفطر رمضان، والظهار، والإيلاء، وجزاء الصيد.
فهذا توزيع بعض مال الحي في حياته.
وأما توزيع المال بعد وفاة صاحبه فذلك ببيان فرائض الإرث على وجه لا يقبل الزيادة والنقصان.
وقد كان العرب يعطون أموالهم لمن يحبّون من أجنبي أو قريب كما قدمنا بيانه في قوله :﴿كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت﴾ ( ١٨٠ )، وكان بعض الأمم يجعل الإرث للأكبر.


الصفحة التالية
Icon