أولها : أن النافي والطارىء إن لم يكن بينهما منافاة لم يلزم من طريان الطارىء زوال النافي، وإن حصلت بينهما منافاة لم يكن اندفاع الطارىء أولى من زوال النافي، بل ربما كان هذا أولى لأن الدفع أسهل من الرفع.
ثانيها : أن الطارىء لو أبطل لكان إما أن يبطل ما دخل منه في الوجود في الماضي وهو محال لأن الماضي انقضى ولم يبق في الحال وإعدام المعدوم محال وإما أن يبطل ما هو موجود في الحال وهو أيضاً محال لأن الموجود في الحال لو أعدمه في الحال لزم الجمع بين العدم والوجود وهو محال، وإما أن يبطل ما سيوجد في المستقبل وهو محال، لأن الذي سيوجد في المستقبل معدوم في الحال وإعدام ما لم يوجد بعد محال.
وثالثها : أن شرط طريان الطارىء زوال النافي فلو جعلنا زوال النافي معللاً بطريان الطارىء لزم الدور وهو محال.
ورابعها : أن الطارىء إذا طرأ وأعدم الثواب السابق فالثواب السابق إما أن يعدم من هذا الطارىء شيئاً أو لا يعدم منه شيئاً، والأول هو الموازنة وهو قول أبي هاشم وهو باطل، وذلك لأن الموجب لعدم كل واحد منهما وجود الآخر فلو حصل العدمان معاً اللذان هما معلولان لزم حصول الوجودين اللذين هما علتان فيلزم أن يكون كل واحد منهما موجوداً حال كون كل واحد منهما معدوماً وهو محال.
وأما الثاني : وهو قول أبي علي الجُبّائي فهو أيضاً باطل لأن العقاب الطارىء لما أزال الثواب السابق، وذلك الثواب السابق ليس له أثر ألبتة في إزالة الشيء من هذا العقاب الطارىء، فحينئذ لا يحصل له من العمل الذي أوجب الثواب السابق فائدة أصلاً لا في جلب ثواب ولا في دفع عقاب وذلك على مضادة النص الصريح في قوله ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ﴾ [ الزلزلة : ٧ ] ولأنه خلاف العدل حيث يحمل العبد مشقة الطاعة، ولم يظهر له منها أثر لا في جلب المنفعة ولا في دفع المضرة.