من لطائف ابن القيم فى الآية
قال رحمه الله :
تضمنت هذه الآية الإخبار بأن المن والأذى يحبط الصدقة وهذا دليل على أن الحسنة قد تحبط بالسيئة مع قوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون وقد تقدم الكلام على هذه المسألة في أول هذه الرسالة فلا حاجة إلى إعادته وقد يقال إن المن والأذى المقارن للصدقة هو الذي يبطلها دون ما يلحقها بعدها إلا أنه ليس في الفظ ما يدل على
هذا التقييد والسياق يدل على إبطالها به مطلقا وقد يقال تمثيله بالمرائي الذي لا يؤمن بالله واليوم الآخر يدل على أن المن والأذى المبطل هو المقارن كالرياء وعدم الإيمان فإن الرياء لو تأخر عن العمل لم يبطله ويجاب عن هذا بجوابين أحدهما أن التشبيه وقع في الحال التي يحبط بها العمل وهي حال المرائي والمان المؤذي في أن كل واحد منهما يحبط العمل الثاني أن الرياء لا يكون إلا مقارنا للعمل لأنه فعال من الرؤية التي صاحبها يعمل ليرى الناس عمله فلا يكون متراخيا وهذا بخلاف المن والأذى فإنه يكون مقارنا ومتراخيا وتراخيه أكثر من مقارنته وقوله كالذي ينفق إما أن يكون المعنى كإبطال الذي ينفق فيكون شبه الإبطال بالإبطال أو المعنى لا تكونوا كالذي ينفق ماله رئاء الناس فيكون تشبيها للمنفق بالمنفق وقوله فمثله أي مثل هذا المنفق الذي قد بطل ثواب نفقته كمثل صفوان وهو الحجر الأملس وفيه قولان أحدهما أنه واحد