فإن قيل : ما الفائدة في أمره بضمها إلى نفسه بعد أن يأخذها ؟.
قلنا : الفائدة أن يتأمل فيها ويعرف أشكالها وهيآتها لئلا تلتبس عليه بعد الإحياء، ولا يتوهم أنها غير تلك.
والقول الثاني : وهو قول ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد ﴿صرهن إليك﴾ معناه قطعهن، يقال : صار الشيء يصوره صوراً، إذ قطعه، قال رؤبة يصف خصماً ألد : صرناه بالحكم، أي قطعناه، وعلى هذا القول لا يحتاج إلى الإضمار، وأما قراءة حمزة بكسر الصاد، فقد فسّر هذه الكلمة أيضاً تارة بالإمالة، وأخرى بالتقطيع، أما الإمالة فقال الفرّاء : هذه لغة هذيل وسليم : صاره يصيره إذا أماته، وقال الأخفش وغيره ﴿صرهن﴾ بكسر الصاد : قطعهن.
يقال : صاره يصيره إذا قطعه، قال الفرّاء : أظن أن ذلك مقلوب من صرى يصري إذا قطع، فقدمت ياؤها، كما قالوا : عثا وعاث، قال المبرّد : وهذا لا يصح، لأن كل واحد من هذين اللفظين أصل في نفسه مستقل بذاته، فلا يجوز جعل أحدهما فرعاً عن الآخر. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٧ صـ ٣٦ ـ ٣٧﴾

فصل


قال الفخر :
أجمع أهل التفسير على أن المراد بالآية : قطعهن، وأن إبراهيم قطع أعضاءها ولحومها وريشها ودماءها، وخلط بعضها على بعض، غير أبي مسلم فإنه أنكر ذلك، وقال : إن إبراهيم عليه السلام لما طلب إحياء الميت من الله تعالى أراه الله تعالى مثالا قرب به الأمر عليه، والمراد بصرهن إليك الإمالة والتمرين على الإجابة، أي فعود الطيور الأربعة أن تصير بحيث إذا دعوتها أجابتك وأتتك، فإذا صارت كذلك، فاجعل على كل جبل واحداً حال حياته، ثم ادعهن يأتينك سعياً، والغرض منه ذكر مثال محسوس في عود الأرواح إلى الأجساد على سبيل السهولة وأنكر القول بأن المراد منه : فقطعهن.
واحتج عليه بوجوه


الصفحة التالية
Icon