والثاني : أن الأحوال تختلف، فيكون الأصلح في بعض الأوقات الإجابة، وفي بعض وقت آخر المنع فيما لم يتقدم فيه إذن. أ هـ ﴿النكت والعيون حـ ١ صـ ٣٣٥ ـ ٣٣٦﴾
قوله تعالى :﴿ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾
المناسبة
قال البقاعى :
ولما أراه سبحانه وتعالى ملكوت الأرض صارت تلك الرؤية علماً على عزة الله من وراء الملكوت في محل الجبروت فقال :﴿واعلم أن الله﴾ أي المحيط علماً وقدرة ﴿عزيز﴾ ولما كان للعزة صولة لا تقوى لها فطر المخترعين نزل تعالى الخطاب إلى محل حكمته فقال :﴿حكيم﴾ فكان فيه إشعار بأنه سبحانه وتعالى جعل الأشياء بعضها من بعض كائنة وبعضها إلى بعض عامدة وبعضها من ذلك البعض معادة ﴿منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى﴾ [ طه : ٥٥ ] وهذه الحكمة التي أشار إليها اسمه الحكيم حكمة ملكوتية جامعة لوصلة ما بين حكمة الدنيا وحكمة الآخرة،
لأن الحكيم بالحقيقة ليس من علمه الله حكمة الدنيا وألبس عليه جعله لها بل ذلك جاهلها كما تقدم،
إنما الحكيم الذي أشهده الله حكمة الدنيا أرضاً وأفلاكاً ونجوماً وآفاقاً وموالد وتوالداً،
وأشهده أنه حكيمها،
ومزج له علم حكمة موجود الدنيا بعلم حكمة موجود الآخرة،
وأراه كيفية توالج الحكمتين بعضها في بعض ومآل بعضها إلى بعض حتى يشهد دوران الأشياء في حكمة أمر الآخرة التي هي غيب الدنيا إلى مشهود حكمة الدنيا ثم إلى مشهود حكمة الآخرة كذلك عوداً على بدء وبدءاً على عود في ظهور غيب الإبداء إلى مشهوده وفي عود مشهوده إلى غيبه ﴿قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين﴾ [ غافر : ١١ ] كذلك إلى المعاد الأعظم الإنساني ﴿يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن﴾ [ التغابن : ٩ ] فهذا هو الحكيم المتوسط الحكمة،
ثم وراء ذلك أمر آخر من على أمر الله في متعالي تجلياته بأسماء وأوصاف يتعالى ويتعاظم للمؤمنين ويتبارك ويستعلن للموقنين الموحدين،


الصفحة التالية
Icon