وقد تضمنت هذه القصص الثلاث، من فصيح المحاورة بذكر : قال، سؤالاً وجواباً، وغير ذلك من غير عطف، إذ لا يحتاج إلى التشريك بالحرف إلاَّ إذا كان الكلام بحيث لو لم يشرك لم يستقل، فيؤتى بحرف التشريك ليدل على معناه.
أما إذا كان المعنى يدل على ذلك، فالأحسن ترك الحرف إذا كان أخذ بعضه بعنق بعض، ومرتب بعضه من حيث المعنى على بعض، وقد أشرنا إلى شيء من هذا في قوله :﴿ وإذ قال ربك للملائكة أنى جاعل في الأرض خليفة ﴾
ومما جاء ذلك كثيراً محاورة موسى وفرعون في سورة الشعراء وسيأتي تفسير ذلك إن شاء الله تعالى. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٢ صـ ٣١٢﴾
من لطائف الإمام القشيرى فى الآية
قيل كان في طلب في زيادة اليقين، فأراد أن يقرن حق اليقين بما كان له حاصلاً من عين اليقين.
وقيل استجلب خطابه بهذه المقالة إلى قوله سبحانه :﴿ أو لم تؤمن قال بلى ﴾ كنت أومن ولكني اشتقتُ إلى قولك لي : أَوَلم تؤمن، فإن بقولك لي :﴿ أو لم تؤمن ﴾ تطميناً لقلبي. والمحبُّ أبداً يجتهد في أن يجد خطاب حبيبه على أي وجه أمكنه.
وقيل : إنه طلب رؤية الحق سبحانه ولكن بالرمز والإشارة فَمُنِعَ منها بالإشارة بقوله ﴿ وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾. وإن موسى - عليه السلام - لما سأل الرؤية جهراً وقال :﴿ رَبِّ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ ﴾ [ الأعراف : ١٤٣ ] فَرُدَّ بالجهر صريحاً وقيل له ﴿ لَن تَرَانِى ﴾.
وقيل إنما طلب حياة قلبه فأُشير إليه بأن ذلك بذبح هذه الطيور، وفي الطيور الأربعة طاووس، والإشارة إلى ذبحه تعني زينة الدنيا، وزهرتها، والغراب لحِرصِه، والديك لمشيته، والبط لطلبه لرزقه.
ولما قال إبراهيم عليه السلام ﴿ أرِنِى كَيْفَ تُحْيِ المَوْتَى ﴾ ؟ قيل له : وأرني كيف تذبح الحي ؟ يعني إسماعيل، مطالبة بمطالبة. فلمَّا وَفَّى بما طولب به وفَّى الحق سبحانه بحكم ما طلب.


الصفحة التالية
Icon