وقوله :" علامات المقرب واضحات " أراد أن جميع الأنبياء والملائكة لهم قربة، ومحمد ﷺ أقربهم قربة، على وزن أفعل، يقول قريب وأقرب، فالقريب يدخل في الفهم والوهم والتفسير، وأما الأقرب خارج عن الفهم والوهم والتفسير، وما بعده لا يدخل في العبارة ولا في الإشارة، وذلك أن موسى عليه السلام لما سمع ليلة النار نداء الوحدانية من الحق فقال : إلهي أقريب أنت فأناجيك أم بعيد فأناديك ؟ فنادى الكليم من مكان القريب والبعيد أنه قريب. ولم يكن هذا في وصف الرسول حينئذ صيره مقرباً، حتى سلم الله عليه فقال : السلام عليكم، وإن الله تعالى مدح أمته فقال :﴿ والسابقون السابقون أولئك المقربون ﴾ [ الواقعة : ١٠-١١ ] ولم يقل القريبون، وعلامات المقرب واضحات من هذه الأمة، فالقريب وجد من الله المنة والكرامة، والبعيد وجد من الله العذاب والعقوب، والمبعد وجد من الله الحجاب والقطيعة، والمقرب وجد من الله اللقاء والزيارة.
قوله :" فمن كان الإله له عياناً " علامات المشتاقين، فليس لهم نوم ولا قرار لا بالليل ولا بالنهار، والمخصوص بهذه الصفة صهيب وبلال، لأن بلالاً كان من المشتاقين، وكذلك صهيب، لم يكن لهما نوم ولا قرار، وقد حكي أن امرأة كانت اشترت صهيباً فرأته كذلك فقالت : لا أرضى حتى تنام بالليل لأنك تضعف فلا يتهيأ لك الاشتغال بأعمالي، فبكى صهيب وقال : إن صهيباً إذا ذكر النار طار نومه، وإذا ذكر الجنة جاء شوقه، وإذا ذكر الله تعالى طال شوقه.
وقوله :" تقاضاه الإله لهم ثلاثاً " لأن " هل " من حروف الاستفهام، وأن الله عزَّ وجلَّ يرفع الحجاب كل ليلة فيقول :" هل من سائل فأعطيه سؤله ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من داعٍ فأجيب دعوته ؟ " فإذا كانت ليلة القدر رفع الله الشرط فقال :" غفرت لكم وإن لم تستغفروني، وأعطيتكم وإن لم تسألوني، وأجبت لكم قبل أن تدعوني "، وهذا غاية الكرم.


الصفحة التالية
Icon