وَلَمَّا رَأَى إِبْرَاهِيمُ أَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ أَنَّ مُرَادَهُ بِالَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ - مَصْدَرُ التَّكْوِينِ الَّذِي يَحْيَا كُلُّ حَيٍّ بِإِحْيَائِهِ وَيَمُوتُ بِقَطْعِ إِمْدَادِهِ لَهُ بِالْحَيَاةِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَائْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَهَذَا إِيضَاحٌ لِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ، وَإِزَالَةٌ لِشُبْهَةِ الْخَصْمِ، لَا أَنَّهُ جَوَابٌ آخَرُ كَمَا فَهِمَ الْجَلَالُ وَغَيْرُهُ، وَالْمَعْنَى : إِنَّ رَبِّي الَّذِي يُعْطِي الْحَيَاةَ وَيَسْلُبُهَا بِقُدْرَتِهِ وَحَكَمْتِهِ هُوَ الَّذِي يُطْلِعُ الشَّمْسَ مِنَ الْمَشْرِقِ، أَيْ هُوَ الْمُكَوِّنُ لِهَذِهِ الْكَائِنَاتِ بِهَذَا النِّظَامِ وَالسُّنَنِ الْحَكِيمَةِ الَّتِي نُشَاهِدُهَا عَلَيْهَا. فَإِنْ كُنْتَ تَفْعَلُ فَغَيِّرْ لَنَا نِظَامَ
طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَائْتِ بِهَا مِنَ الْجِهَةِ الْمُقَابِلَةِ لِلْجِهَةِ الَّتِي جَرَتْ سُنَّتُهُ - تَعَالَى - بِظُهُورٍ مِنْهَا. فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ أَيْ أَدْرَكَتْهُ الْحَيْرَةُ وَأَخَذَهُ الْحَصْرُ مِنْ نُصُوعِ الْحُجَّةِ وَسُطُوعِهَا فَلَمْ يُحِرْ جَوَابًا. وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : هَذَا تَرْشِيحٌ لِلْكَلَامِ، وَالْمُرَادُ بِالظُّلْمِ فِي هَذَا الْمَقَامِ : الْإِعْرَاضُ عَنِ النُّورِ الْإِلَهِيِّ وَهُوَ نُورُ الْعَقْلِ الَّذِي يَسِيرُ بِهِ الْمَرْءُ فِي طَرِيقِ الدِّينِ، فَمَنْ ظَلَمَ نَفْسَهُ بِإِطْفَاءِ هَذَا الْمِصْبَاحِ
فَصَارَ يَتَخَبَّطُ فِي الظُّلُمَاتِ، فَإِنَّهُ لَا يَهْتَدِي فِي سَيْرِهِ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الْمُوصِلِ إِلَى السَّعَادَةِ، بَلْ يَضِلُّ عَنْهُ حَتَّى يَهْلَكَ دُونَ الْغَايَةِ.


الصفحة التالية
Icon