قَالَ بَعْضُ الْمُقَلِّدِينَ : وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْأَلَ إِبْرَاهِيمُ رَبَّهُ ذَلِكَ، لِأَنَّ فِيهِ خَرَابَ الْعَالَمِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُرْتَابِينَ : إِنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ نَمْرُوذُ ذَلِكَ لَأَلْزَمَهُ، وَقَدْ فَهِمَ نَمْرُوذُ عَلَى طُغْيَانِهِ وَغُرُورِهِ مِنَ الْحُجَّةِ مَا لَا يَفْهَمُ هَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ، فَهِمَ أَنَّ مُرَادَ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ هَذَا النِّظَامَ فِي سَيْرِ الشَّمْسِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ فَاعِلٍ حَكِيمٍ، إِذْ لَا يَكُونُ مِثْلُهُ بِالْمُصَادَفَةِ وَالِاتِّفَاقِ، وَإِنَّ رَبِّي الَّذِي أَعْبُدُهُ هُوَ ذَلِكَ الْفَاعِلُ الْحَكِيمُ الَّذِي قَضَتْ حِكْمَتُهُ بِأَنْ تَكُونَ الشَّمْسُ عَلَى مَا نَرَى، وَمَنْ فَهِمَ هَذَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ : اطْلُبْ مِنْ هَذَا الْحَكِيمِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ حِكْمَتِهِ وَيُبْطِلَ سُنَّتَهُ، كَذَلِكَ لَا مَحَلَّ لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ : لِمَ سَكَتَ إِبْرَاهِيمُ عَنْ كَشْفِ شُبْهَتِهِ الْأُولَى إِذْ زَعَمَ أَنَّ تَرْكَ الْقَتْلِ إِحْيَاءٌ، فَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ مَسْأَلَةَ الشَّمْسِ قَدْ كَشَفَتْ ذَلِكَ انْكِشَافًا لَا يَخْفَى إِلَّا عَلَى مَنْ تَخْفَى عَلَيْهِ الشَّمْسُ.
أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ
لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ