كَانَتْ هِيَ الْآيَةُ الْعَامَّةُ لِأَنَّ الْقُرْآنَ يَحْتَجُّ بِهَا عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ بِمِثْلِ قَوْلِهِ : كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ [٧ : ٢٩] وَقَوْلِهِ : كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ [٢١ : ١٠٤] وَقَوْلِهِ فِي آيَاتٍ تُبَيِّنُ تَفْصِيلَ كَيْفِيَّةِ الْبَدْءِ : فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا [٢٣ : ١٤] أَقُولُ : وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّفْسِيرَ قِرَاءَةُ أُبَيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - " وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِيهَا " مِنَ الْإِنْشَاءِ، وَعِظَامُ الْحِمَارِ كَانَتْ مَوْجُودَةً لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا إِنْشَاءٌ
جَدِيدٌ، بَلِ الْحِمَارُ نَفْسُهُ كَانَ مَوْجُودًا عَلَى الْمُخْتَارِ، وَهُوَ الْمُتَبَادَلُ مِنْ قَوْلِهِ : وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ ثُمَّ مِنْ إِعَادَةِ الْعَامِلِ انْظُرْ عِنْدَ ذِكْرِ آيَةِ إِنْشَازِ الْعِظَامِ وَإِنْشَاءِ الْحَيَوَانِ مَعَ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا بِذِكْرٍ جَعَلَهُ فِي نَفْسِهِ آيَةً. فَهَذَا الْفَصْلُ دَلِيلٌ عَلَى الِانْتِقَالِ مِنَ الْآيَةِ الْخَاصَّةِ إِلَى الْآيَةِ الْعَامَّةِ الَّتِي يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهَا، ثُمَّ قَالَ : فَهَذِهِ الْعِظَامُ تُوجَدُ فِي أَوَّلِ الْخِلْقَةِ عَارِيَةً مِنْ لِبَاسِ الْحَيَاةِ، بَلْ قَالَ فَقِيرَةٌ مِنْ مَادَّتِهَا، فَالْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَكْسُوَهَا لَحْمًا يَمُدُّهَا بِالْحَيَاةِ وَيَجْعَلُهَا أَصْلًا لِجِسْمٍ حَيٍّ - قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُعِيدَ الْخِصْبَ وَالْعُمْرَانَ لِلْقَرْيَةِ، كَمَا أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْإِحْيَاءِ بَعْدَ لُبْثِ مِائَةِ سَنَةٍ قَادِرٌ عَلَى الْإِحْيَاءِ بَعْدَ لُبْثِ الْمَوْتَى أُلُوفًا مِنَ السِّنِينَ، هَكَذَا يُشْبِهُ بَعْضُ أَفْعَالِهِ بَعْضًا.


الصفحة التالية
Icon