فتعجب منها وقال : يا رب! قد علمت لتجمعنها فأرني كيف تحييها لأعاين ذلك،
فإنما ينبني يقين العيان على تحقيق الإيمان ﴿ولكن﴾ أريد المعاينة ﴿ليطمئن﴾ من الطمأنينة وهي الهدو والسكون على سواء الخلقة واعتدال الخلق ﴿قلبي﴾ من فطر على نيل شيء جبل على الشوق له،
فلما كان إبراهيم عليه الصلاة والسلام متهيئاً لقبول الطمأنينة قذف في قلبه طلبها،
فأجابه الله بما قد هيأه له،
فضرب سبحانه وتعالى له مثلاً أراه إياه،
جعله جري العيان جلي الإيقان،
وذلك أن الله تعالى سبحانه هو الأحد الذي لا يعد ولا يحد وكان من تنزل تجليه لعباده أنه الإله الواحد،
والواحد بريء من العد،
فكان أول ظهور الخلق هو أول ظهور العد،
فأول العد الاثنان ﴿ومن كل شيء خلقنا زوجين﴾ [ الذاريات : ٤٩ ] فالاثنان عد هو خلق كل واحد منهما واحد،
فجعل تعالى اثنين كل واحد منهما اثنان لتكون الاثنينية فيه كلاًّ وجزءاً فيكون زوجاً من زوج،
فكان ذلك العد هو الأربع،
فجعله الله سبحانه وتعالى أصلاً لمخلوقاته فكانت جملتها وتره، فجعل الأقوات من أربع ﴿وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام﴾ [ فصلت : ١٠ ] وجعل الأركان التي خلق منها صور المخلوقات أربعاً،
وجعل الأقطار أربعاً،
وجعل الأعمار أربعاً،
وقال عليه الصلاة والسلام :" خير الرفقاء أربعة،
وخير البعوث أربعون،
وخير السرايا أربعمائة وخير الجيوش أربعة آلاف " والمربعات في أصول الخلق كثيرة تتبعها العلماء واطلع عليها الحكماء ﴿هو الذي بعث في الأميين رسولاً﴾ [ الجمعة : ٢ ] ولما كان خلق آدم وسائر المخلوقات من مداد الأركان التي هي الماء والتراب والهواء والنار فأظهر منها الصور ﴿وصوركم فأحسن صوركم﴾ [ غافر : ٦٤ ] ثم أظهر سبحانه وتعالى قهره بإماتته وإفناء صوره،
" كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذَّنَبِ،
منه خلق وفيه يركب " فكان بددها في أربعة أقطار شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً،