إذن فالاطمئنان جاء لمراد في كيفية مخصوصة تخرجه من متاهات كيفيات متصورة ومتخيلة، ومادمت تريد الكيفية، وهذه الكيفية لا يمكن أن نشرحها لك بكلام. بل لابد أن تكون تجربة عملية واقعية، " فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك". و" صرهن" أي أملهن واضممهن إليك لتتأكد من ذوات الطير، ومن شكل كل طير، حتى لا تتوهم أنه قد جاء لك طير آخر. وقال المفسرون : إن الأربعة من الطير هي : الغرب، الطاووس، الديك، الحمامة، وهكذا كان كل طائر له شكلية مختلفة.
" ثم اجعل على كل جبل منهن جزءاً ثم ادعهن يأتينك سعيا"، فهل أجرى سيدنا إبراهيم هذه العملية أو اكتفى بأن شرح الله له الكيفية ؟ إن القرآن لم يتعرض لهذه الحكاية، فإما أن يكون الله قد قال له الكيفية، فإن أراد أن يتأكد منها فليفعل، وإما أنه قد تيقن دون أن يجري تلك العملية. إن القرآن لم يقل لنا هل أجرى سيدنا إبراهيم هذه العملية أم لا ؟ والحق يقول مخاطبا إبراهيم بخطوات التجربة :" ثم ادعهن يأتينك سعيا" وكان المفروض أن يقول : يأتينك طيرانا. فكيف تسعى الطيور ؟ إن الطير يطير في السماء وفي الجو. لكن الحق أراد بذلك ألا يدع أي مجال لاختلاط الأمر فقال :" سعيا" أي أن الطير سيأتي أمامه سائرا، لقد نقل الحق الأمر من الطيران إلى السعي كي يتأكد منها سيدنا إبراهيم، إذن فلكي تتأكد يا إبراهيم ويزداد اطمئنانك جئنا بها من طيور مختلفة وأنت الذي قطعتها، وأنت الذي جعلت على كل جبل جزءا، ثم أنت الذي دعوت الطير فجاءتك سعيا.