إن خلافة الإنسان في الأرض تقتضي أن يتحرك ويعمر الأرض. وحين يريد الله منا أن نتحرك ونعمر الأرض فلابد من أعمال تنظم هذه الحركة، ولابد من فنون متعددة تقوم على العمارة. ويوزع الله الطاقات الفاعلة لهذه الفنون المتعددة ويجعلها مواهب مفكرة ومخططة في البشر. إن الحق سبحانه لم يجعل من إنسان واحد مجمع مواهب، بل نثر الله المواهب على الخلق، وكل واحد أخذ موهبة ما. لماذا ؟ لأن الله قد أراد أن يتكامل العالم ولا يتكرر ؛ فالتكامل يوحي بالاندماج فإذا كنت أنت تعرف شيئاً خاضعا لموهبتك، وأنا لا أعرفه فأنا مضطر أن ألتحم بك، وأنا أيضا قد أعرف شيئا وأنت لا تعرفه، لذلك تضطر أنت أن تلتحم بي. وهذا اللون من الالتحام ليس التحام تفضل، إنما هو التحام تعايش ضروري.
لكن لو أن كل واحد صار مجمع مواهب، لاستغنى عن غيره من البشر وأقام وحده بمفرده، وينتهي احتياجه للمجتمع الإنساني. فكأن الله حين وزع أسباب الفضل على الخلق يريد منهم أن يتكاملوا ويلتحم بعضهم ببعض لا التحام فضل، ولكن التحام تعايش ضروري ؛ لأن واحداً يريد ما ينتجه الآخر بموهبته، والآخر يريد من إنسان غيره ما هو موهوب فيه. ولذلك فالناس بخير ما تباينوا ؛ لأن كلا منهم يحتاج إلى الآخر.


الصفحة التالية
Icon