وقرأ ابن عباس - رضي الله عنه - :" فَصُرْهُنَّ " بتشديد الراء، مع ضم الصاد وكسرها، مِنْ : صرَّه يَصُرّه، إذا جمعه ؛ إلاَّ أنَّ مجيء المضعَّف المتعدِّي على يفعل - بكسر العين في المضارع - قليلٌ.
قوله :﴿ ثُمَّ اجعل ﴾ " جَعَلَ " يحتمل أن يكون بمعنى الإلقاء، فيتعدَّى لواحدٍ، وهو " جُزْءاً "، فعلى هذا يتعلَّق " عَلَى كُلِّ " و" مِنْهُنَّ " بـ " اجعل "، وأن يكون بمعنى " صَيَّر "، فيتعدَّى لاثنين، فيكون " جُزءاً " الأول، و" عَلَى كُلِّ " هو الثاني، فيتعلَّق بمحذوفٍ.
و" منهنَّ " يجوز أن يتعلَّق على هذا بمحذوفً على أنَّه حالٌ من " جُزْءاً "، لأنه في الأصل صفة نكرة، فلمَّا قُدِّم عليها، نصب حالاً.
وأجاز أبو البقاء أن يكون مفعولاً لـ " اجْعَلْ " يعني : إذا كانت " اجْعَلْ " بمعنى " صَيَّر "، فيكون " جُزْءاً " مفعولاً أول، و" منهنَّ " مفعولاً ثانياً قدِّم على الأول، ويتعلَّق حينئذٍ بمحذوف. [ ولا بد من حذف صفةٍ مخصِّصة بعد ] قوله :" كُلِّ جَبَلٍ " تقديره :" عَلَى كُلِّ جبلٍ بحضرتك، أو يليك " حتى يصحَّ المعنى.
وقرأ الجمهور :" جُزْءاً " بسكون الزاي والهمز، وأبو بكر ضمَّ الزاي، وأبو جعفر شدَّد الزاي، من غير همزٍ ؛ ووجهها : أنَّه لمَّا حذف الهمزة، وقف على الزاي، ثم ضعَّفها، كما قالوا :" هذا فَرَجّ "، ثم أُجري الوصل مجرى الوقف. وقد تقدم تقرير ذلك عند قوله :﴿ هُزُواً ﴾ [ البقرة : ٦٧ ]. وفيه لغةٌ أخرى وهي : كسر الجيم.
قال أبو البقاء :" وَلاَ أَعْلَمُ أَحَداً قرأ بها ". والجزء : القطعة من الشيء، وأصل المادَّة يدلُّ على القطع، والتفرق، ومنه : التجزئة والأجزاء.
قوله :﴿ سَعْياً ﴾ فيه أوجه :