فإنّه قد مثَّله فيما سلف بحبَّة أنبتت سبع سنابل، ومثّله فيما سلف تمثيلاً غير كثيرِ التركيب لتحصل السرعة بتخيّل مضاعفة الثواب، فلما مَثَّل حال المنفق رِئاءً بالتمثيل الذي مضى أعيد تمثيل حال المنفق ابتغاء مرضاة الله بما هو أعجب في حسن التخيُّل ؛ فإنّ الأمثال تبهج السامع كلّما كانت أكثر تركيباً وضمّنت الهيأة المشبّه بها أحوالاً حسنة تكسبها حُسناً ليسري ذلك التحسين إلى المشبَّه، وهذا من جملة مقاصد التشبيه. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ٥٠﴾
فائدة
قال أبو حيان :
قال الزمخشري : فإن قلت : فما معنى التبعيض ؟
قلت : معناه أن من بذل ماله لوجه الله فقد ثبت بعض نفسه، ومن بذل ماله وروحه معاً فهو الذي ثبتها كلها ﴿وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم﴾ انتهى.
والظاهر أن نفسه هي التي تثبته وتحمله على الإنفاق في سبيل الله، ليس له محرك إلاَّ هي، لما اعتقدته من الإيمان وجزيل الثواب، فهي الباعثة له على ذلك، والمثبتة له بحسن إيمانها وجليل اعتقادها. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٢ صـ ٣٢٤﴾
فائدة لغوية
قال ابن عاشور :
والتثبيت تحقيق الشيء وترسيخه، وهو تمثيل يجوز أن يكون لكبح النفس عن التشكّك والتردّد، أي أنّهم يمنعون أنفسهم من التردّد في الإنفاق في وجوه البر ولا يتْركون مجالاً لخواطر الشحّ، وهذا من قولهم ثبت قدمه أي لم يتردّد ولم ينكص، فإنّ إراضة النفس على فعل ما يشُق عليها لها أثر في رسوخ الأعمال حتى تعتاد الفضائل وتصير لها ديدناً.
وإنفاق المال من أعظم ما ترسخ به الطاعة في النفس لأنّ المال ليس أمراً هيناً على النفس، وتكون " من" على هذا الوجه للتبعيض، لكنه تبعيض مجازي باعتبار الأحوال، أي تثبيتاً لبعض أحوال النفس.