الوجه الثاني : في تفسير الفحشاء، وهو أنه يقول : لا تنفق الجيد من مالك في طاعة الله لئلا تصير فقيراً، فإذا أطاع الرجل الشيطان في ذلك زاد الشيطان، فيمنعه من الإنفاق في الكلية حتى لا يعطي لا الجيد ولا الرديء وحتى يمنع الحقوق الواجبة، فلا يؤدي الزكاة ولا يصل الرحم ولا يرد الوديعة، فإذا صار هكذا سقط وقع الذنوب عن قلبه ويصير غير مبال بارتكابها، وهناك يتسع الخرق ويصير مقداماً على كل الذنوب، وذلك هو الفحشاء وتحقيقه أن لكل خلق طرفين ووسطاً فالطرف الكامل هو أن يكون بحيث يبذل كل ما يملكه في سبيل الله الجيد والرديء والطرف الفاحش الناقص لا ينفق شيئاً في سبيل الله لا الجيد ولا الرديء والأمر المتوسط أن يبخل بالجيد وينفق الرديء، فالشيطان إذا أراد نقله من الطرف الفاضل إلى الطرف الفاحش، لا يمكنه إلا بأن يجره إلى الوسط، فإن عصى الإنسان الشيطان في هذا المقام انقطع طمعه عنه، وإن أطاعه فيه طمع في أن يجره من الوسط إلى الطرف الفاحش، فالوسط هو قوله تعالى :﴿يَعِدُكُمُ الفقر﴾ والطرف الفاحش قوله ﴿وَيَأْمُرُكُم بالفحشاء﴾ ثم لما ذكر سبحانه وتعالى درجات وسوسة الشيطان أردفها بذكر إلهامات الرحمن فقال :﴿والله يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مّنْهُ وَفَضْلاً﴾ فالمغفرة إشارة إلى منافع الآخرة، والفضل إشارة إلى ما يحصل في الدنيا من الخلق. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٧ صـ ٥٧ ـ ٥٨﴾


الصفحة التالية
Icon