" فوائد لغوية "
قال ابن عاشور :
الفقر شدّة الحاجة إلى لوازم الحياة لقلة أو فقد ما يعاوض به، وهو مشتق من فقار الظهر، فأصله مصدر فَقَره إذا كسر ظهره، جعلوا العاجز بمنزلة من لا يستطيع أدنى حركة لأنّ الظَّهر هو مجمع الحركات، ومن هذا تسميتهم المصيبة فاقرة، وقاصمة الظهر، ويقال فَقْر وفُقْر وفَقَر وفُقُر بفتح فسكون، وبفتحتين، وبضم فسكون، وبضمتين، ويقال رجل فقير، ويقال رجل فَقْر وصفاً بالمصدر.
والفحشاء اسم لفعل أو قول شديد السوء واستحقاقِ الذم عرفاً أو شرعاً.
مشتق من الفحش بضم الفاء وسكون الحاء تجاوز الحد.
وخصّه الاستعمال بالتجاوز في القبيح، أي يأمركم بفعل قبيح.
وهذا ارتقاء في التحذير من الخواطر الشيطانية التي تدعو إلى الأفعال الذميمة، وليس المراد بالفحشاء البخل لأنّ لفظ الفحشاء لا يطلق على البخل وإن كان البخيل يسمّى فاحشاً.
وإطلاق الأمر على وسوسة الشيطان وتأثير قوته في النفوس مجاز لأنّ الأمر في الحقيقة من أقسام الكلام.
والتعريف في الفحشاء تعريف الجنس. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ٥٩ ـ ٦٠﴾
لطائف ونفائس للعلامة الفخر
قال رحمه الله :
وفي هذه الآية لطيفة وهي أن الشيطان يعدك الفقر في غد دنياك، والرحمن يعدك المغفرة في غد عقباك، ووعد الرحمن في غد العقبى أولى بالقبول من وجوه أحدها : أن وجدان غد الدنيا مشكوك فيه، ووجدان غد العقبى متيقن مقطوع به وثانيها : أن بتقدير وجدان غد الدنيا، فقد يبقى المال المبخول به، وقد لا يبقى وعند وجدان غد العقبى لا بد من وجدان المغفرة الموعود بها من عند الله تعالى، لأنه الصادق الذي يمتنع وجود الكذب في كلامه وثالثها : أن بتقدير بقاء المال المبخول به في غد الدنيا، فقد يتمكن الإنسان من الانتفاع به وقد لا يتمكن إما بسبب خوف أو مرض أو اشتغال بمهم آخر وعند وجدان غد العقبى الانتفاع حاصل بمغفرة الله وفضله وإحسانه ورابعها : أن بتقدير حصول الانتفاع بالمال المبخول به في غد الدنيا لا شك أن ذلك الانتفاع ينقطع ولا يبقى، وأما الانتفاع بمغفرة الله وفضله وإحسانه فهو الباقي الذي لا ينقطع ولا يزول، وخامسها : أن الانتفاع بلذات الدنيا مشوب بالمضار، فلا ترى شيئاً من اللذات إلا ويكون سبباً للمحنة من ألف وجه بخلاف منافع الآخرة فإنها خالصة عن الشوائب، ومن تأمل فيما ذكرناه علم أن الانقياد لوعد الرحمن بالفضل والمغفرة أولى من الانقياد لوعد الشيطان.


الصفحة التالية
Icon