بحث نفيس لحجة الإسلام الغزالى
فى بيان تسلط الشيطان على القلب بالوساوس ومعنى الوسوسة وسبب غلبتها
قال عليه الرحمة :
اعلم أن القلب كما ذكرناه مثل قبة مضروبة لها أبواب تنصب إليه الأحوال من كل باب ومثاله أيضا مثال هدف تنصب إليه السهام من الجوانب أو هو مثال مرآة منصوبة تجتاز عليها أصناف الصور المختلفة فتتراءى فيها صورة بعد صورة ولا تخلو عنها أو مثال حوض تنصب فيه مياه مختلفة من أنهار مفتوحة إليه وإنما مداخل هذه الآثار المتجددة في القلب في كل حال أما من الظاهر فالحواس الخمس وأما من الباطن فالخيال والشهوة والغضب والأخلاق المركبة من مزاج الإنسان فإنه إذا أدرك بالحواس شيئا حصل منه أثر في القلب وكذلك إذا هاجت الشهوة مثلا بسبب كثرة الأكل وبسبب قوة في المزاج حصل منها في القلب أثر وإن كف عن الإحساس فالخيالات الحاصلة في النفس تبقى وينتقل الخيال من شيء إلى شيء وبحسب انتقال الخيال ينتقل القلب من حال إلى حال آخر والمقصود أن القلب في التغير والتأثر دائما من هذه الأسباب وأخص الآثار الحاصلة في القلب هو الخواطر وأعني بالخواطر ما يحصل فيه من الآفكار والأذكار وأعني به إدراكاته علوما إما على سبيل التجدد وإما على سبيل التذكر فإنها تسمى خواطر من حيث إنها تخطر بعد أن كان القلب غافلا عنها والخواطر هي المحركات للإرادات فإن النية والعزم والإرادة إنما تكون بعد خطور المنوى بالبال لا محالة فمبدأ الأفعال الخواطر ثم الخاطر يحرك الرغبة والرغبة تحرك العزم والعزم يحرك النية والنية تحرك الأعضاء والخواطر المحركة للرغبة تنقسم إلى ما يدعو إلى الشر أعني إلى ما يضر في العاقبة وإلى ما يدعو إلى الخير أعني إلى ما ينفع في الدار الآخرة فهما خاطران مختلفان فافتقرا إلى اسمين مختلفين فالخاطر المحمود يسمى إلهاما والخاطر المذموم أعني الداعي إلى الشر يسمى وسواسا ثم إنك تعلم أن هذه الخواطر حادثة ثم إن كل حادث فلا بد له من محدث ومهما اختلفت الحوادث دل ذلك على اختلاف الأسباب هذا ما عرف من سنة الله تعالى في ترتيب المسببات على الأسباب


الصفحة التالية
Icon