﴿فإن لم يصبها وابل فطل﴾ أي : مطر قليل يكفيها لطيب منبتها، فهذه حالة المنفقين أهل النفقات الكثيرة والقليلة كل على حسب حاله، وكل ينمى له ما أنفق أتم تنمية وأكملها والمنمي لها هو الذي أرحم بك من نفسك، الذي يريد مصلحتك حيث لا تريدها، فيالله لو قدر وجود بستان في هذه الدار بهذه الصفة لأسرعت إليه الهمم وتزاحم عليه كل أحد، ولحصل الاقتتال عنده، مع انقضاء هذه الدار وفنائها وكثرة آفاتها وشدة نصبها وعنائها، وهذا الثواب الذي ذكره الله كأن المؤمن ينظر إليه بعين بصيرة الإيمان، دائم مستمر فيه أنواع المسرات والفرحات، ومع هذا تجد النفوس عنه راقدة، والعزائم عن طلبه خامدة، أترى ذلك زهدا في الآخرة ونعيمها، أم ضعف إيمان بوعد الله ورجاء ثوابه ؟ ! وإلا فلو تيقن العبد ذلك حق اليقين وباشر الإيمان به بشاشة قلبه لانبعثت من قلبه مزعجات الشوق إليه، وتوجهت همم عزائمه إليه، وطوعت نفسه له بكثرة النفقات رجاء المثوبات، ولهذا قال تعالى :﴿والله بما تعملون بصير﴾ فيعلم عمل كل عامل ومصدر ذلك العمل، فيجازيه عليه أتم الجزاء. أ هـ ﴿تفسير السعدى صـ ١١٤﴾
فائدة
قال أبو حيان :
قال زيد بن أسلم : المضروب به المثل أرض مصر، إن لم يصبها مطر زكت، وإن أصابها مطر أضعفت.
قال الزمخشري : مثل حالهم عند الله بالجنة على الربوة، ونفقتهم الكثيرة والقليلة بالوابل والطل، فكما أن كل واحد من المطرين يضعف أكل الجنة، فكذلك نفقتهم كثيرة، كانت أو قليلة، بعد أن يطلب بها وجه الله ويبذل فيها الوسع، زاكية عند الله، زائدة في زلفاهم وحسن حالهم عنده.
انتهى كلامه.
وقال الماوردي قريباً من كلام الزمخشري، قال : أراد بضرب هذا المثل أن كثير البر مثل زرع المطر، كثير النفع، وقليل البر مثل زرع الطل، قليل النفع.
فلا يدع قليل البر إذا لم يفعل كثيره، كما لا يدع زرع الطل إذا لم يقدر على زرع المطر.
انتهى كلامه.


الصفحة التالية
Icon