هذه آيات كثيرة ذكرها الله تعالى على جهة ضرب المثل للمخلص والمنافق : لمن أنفق في سبيل الله، ولمن أنفق ماله في الباطل ؛ فهؤلاء يحصل لهم الشرف والخلف، وهؤلاء لا يحصل لهم في الحال إلا الردّ، وفي المآل إلا التلف. وهؤلاء ظلَّ سعيهم مشكوراً، وهؤلاء يدعون ثبوراً ويَصْلَوْنَ سعيراً. هؤلاء تزكو أعمالهم وتنمو أموالهم وتعلو عند الله أحوالهم وتكون الوصلة مآلهم، وهؤلاء حَبِطَتْ أعمالهم وخسرت أحوالهم وختم بالسوء آمالهم ويضاعف عليهم وَبالهم.
ويقال مَثَلُ هؤلاء كالذي أنبت زرعاً فزكا أصله ونما فصله، وعلا فَرْعُه وكثر نَفْعُه. ومَثَلُ هؤلاء كالذي خسرت صفقته وسرقت بضاعته وضاعت - على كبره - حيلته وتواترت من كل وجهٍ وفي كل وقت محنته... هل يستويان مثلاً ؟ هل يتقاربان شَبَها ؟. أ هـ ﴿لطائف الإشارات حـ ١ صـ ٢٠٥ ـ ٢٠٦﴾
من فوائد ابن عرفة فى الآية
( قوله تعالى ) :﴿وَمَثَلُ الذين يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابتغآء مَرْضَاتِ الله...﴾.
تأوله المفسرون إمّا على الإضمار في الثاني أي كمثل غارس جنة بربوة أو على الإضمار في الأول أي ومثل إنفاق الذين ينفقون أموالهم.
قال ابن عرفة : والظاهر أن يكون التقدير ومثل مال الذين ينفقون أموالهم فالمال هو الذي يُشبه " جَنَّة بِرَبْوَةٍ " وَ " تَثْبِيتا مِنْ أَنفُسِهِمْ ".
قال ابن عطية :" ابْتِغَاءَ " مفعول من أجله فكيف عطف عليه " تثبيتا " مع أنّ التثبيت سبب في " ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ " ومتقدم عليه فهو علة فيه.
وأجيب بأنّه علة غائبة فذكره أبو حيان.
قوله تعالى :﴿فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ...﴾.
قال المفسرون : الضعف هو المثل، أي آتت أُكلها المعهود على مرتين أعني آتته وآتت مثله معه.
قال ابن عرفة : ووقع في ابن الحاجب ما نصه : ولو أوصى بضعف نصيب ابنه فلا نص.
فقيل مثله وقيل مثليه.
ابن عرفة : فعلى هذا الخلاف يكون المعنى فأتت أكلها أربع مرات وعلى القول الآخر ( يكون ) كما قال المفسرون.
قوله تعالى :﴿فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ...﴾.
قال المفسرون : إن أصابها الوابل تؤتي أكلها مرتين وإن أصابها الطلّ فقط تؤتي أكلها مرة واحدة.
ابن عرفة : ولا يمتنع أن يراد أنها تؤتي أكلها مرتين سواء أصابها وابل أو طلّ ويكون ذلك مدحا فيها وتأكيدا في أوصاف حسنها. أ هـ ﴿تفسير ابن عرفة حـ ٢ صـ ٧٤٨ ـ ٧٤٩﴾