البحث الأول : في أن الأفضل في إعطاء صدقة التطوع إخفاؤه، أو إظهاره، فلنذكر أولاً الوجوه الدالة على إخفاءه أفضل
فالأول : أنها تكون أبعد عن الرياء والسمعة، قال ﷺ :" لا يقبل الله مسمع ولا مراء ولا منان " والمتحدث بصدقته لا شك أنه يطلب السمعة والمعطى في ملأ من الناس يطلب الرياء، والإخفاء والسكوت هو المخلص منهما، وقد بالغ قوم في قصد الإخفاء، واجتهدوا أن لا يعرفهم الآخذ، فكان بعضهم يلقيه في يد أعمى، وبعضهم يلقيه في طريق الفقير، وفي موضع جلوسه حيث يراه ولا يرى المعطي، وبعضهم كان يشده في أثواب الفقير وهو نائم، وبعضهم كان يوصل إلى يد الفقير على يد غيره، والمقصود عن الكل الاحتراز عن الرياء والسمعة والمنة، لأن الفقير إذا عرف المعطي فقد حصل الرياء والمنة معاً وليس في معرفة المتوسط الرياء وثانيها : أنه إذا أخفى صدقته لم يحصل له بين الناس شهرة ومدح وتعظيم، فكان ذلك يشق على النفس، فوجب أن يكون ذلك أكثر ثواباً وثالثها : قوله ﷺ :" أفضل الصدقة جهد المقل إلى الفقير في سر " وقال أيضاً " إن العبد ليعمل عملاً في السر يكتبه الله له سراً فإن أظهره نقل من السر وكتب في العلانية، فإن تحدث به نقل من السر والعلانية وكتب في الرياء " وفي الحديث المشهور " سبعة يظلهم الله تعالى يوم القيامة في ظله يوم لا ظل إلا ظله : أحدهم رجل تصدق بصدقة فلم تعلم شماله بما أعطاه يمينه " وقال ﷺ :
" صدقة السر تطفيء غضب الرب "
ورابعها : أن الإظهار يوجب إلحاق الضرر بالآخذ من وجوه، والإخفاء لا يتضمن ذلك، فوجب أن يكون الإخفاء أولى، وبيان تلك المضار من وجوه
الأول : أن في الإظهار هتك عرض الفقير وإظهار فقره، وربما لا يرضى الفقير بذلك


الصفحة التالية
Icon