وأما الوجه في جواز إظهار الصدقة، فهو أن الإنسان إذا علم أنه إذا أظهرها، صار ذلك سبباً لاقتداء الخلق به في إعطاء الصدقات، فينتفع الفقراء بها فلا يمتنع، والحال هذه أن يكون الإظهار أفضل، وروى ابن عمر عن النبي ﷺ قال :" السر أفضل من العلانية، والعلانية أفضل لمن أراد الاقتداء به " قال محمد بن عيسى الحكيم الترمذي : الإنسان إذا أتى بعمل وهو يخفيه عن الخلق وفي نفسه شهوة أن يرى الخلق منه ذلك وهو يدفع تلك الشهوة فههنا الشيطان يورد عليه ذكر رؤية الخلق، والقلب ينكر ذلك ويدفعه، فهذا الإنسان في محاربة الشيطان فضوعف العمل سبعين ضعفاً على العلانية، ثم إن لله عباداً راضوا أنفسهم حتى من الله عليهم بأنواع هدايته فتراكمت على قلوبهم أنوار المعرفة، وذهبت عنهم وساوس النفس، لأن الشهوات قد ماتت منهم ووقعت قلوبهم في بحار عظمة الله تعالى ؛ فإذا عمل عملاً علانية لم يحتج أن يجاهد، لأن شهوة النفس قد بطلت، ومنازعة النفس قد اضمحلت، فإذا أعلن به فإنما يريد به أن يقتدي به غيره فهذا عبد كملت ذاته فسعى في تكميل غيره ليكون تاماً وفوق التمام، ألا ترى أن الله تعالى أثنى على قوم في تنزيله وسماهم عباد الرحمن، وأوجب لهم أعلى الدرجات في الجنة، فقال :﴿أولئك يُجْزَوْنَ الغرفة﴾ [ الفرقان : ٧٥ ] ثم ذكر من الخصال التي طلبوها بالدعاء أن قالوا ﴿واجعلنا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً﴾ [ الفرقان : ٧٤ ] ومدح أمة موسى عليه السلام فقال :﴿وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ [ الأعراف : ١٥٩ ] ومدح أمة محمد ﷺ فقال :


الصفحة التالية
Icon