والآفة الثانية تزول بالتثبيت فإن تثبيت النفس تشجيعها وتقويتها والإقدام بها على البذل وهذا هو صدقها وطلب مرضاة الله إرادة وجهه وحده وهذا إخلاصها فإذا كان مصدر الإنفاق عن ذلك كان مثله كجنة وهي البستان الكثير الأشجار فهو مجتن بها أي مستتر ليس قاعا فارغا والجنة بربوة وهو المكان المرتفع فإنها أكمل من الجنة التي بالوهاد والحضيض لأنها إذا ارتفعت كانت بدرجة الأهوية والرياح وكانت ضاحية للشمس وقت طلوعها واستوائها وغروبها فكانت أنضج ثمرا وأطيبه وأحسنه وأكثره فإن الثمار تزداد طيبا وزكاء بالرياح والشمس بخلاف الثمار التي تنشأ في الظلال وإذا كانت الجنة بمكان مرتفع لم يخش عليها إلا من قلة الماء والشراب فقال تعالى ﴿أصابها وابل﴾ وهو المطر الشديد العظيم القدر فأدت ثمرتها وأعطت بركتها فأخرجت ضعفي ما يثمر غيرها أو ضعفي ما كانت تثمر بسبب ذلك الوابل فهذا حال السابقين المقربين ﴿فإن لم يصبها وابل فطل﴾ فهو دون الوابل فهو يكفيها لكرم منبتها وطيب مغرسها فتكتفي في إخراج بركتها بالطل وهذا حال الأبرار المقتصدين في النفقة وهم درجات عند الله فأصحاب الوابل أعلاهم درجة وهم الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة وأصحاب الطل مقتصدوهم فمثل حال القسمين وأعمالهم بالجنة على الربوة ونفقتهم الكثيرة بالوابل والطل
وكما أن كل واحد من المطرين يوجب زكاء ثمر الجنة ونحوه بالأضعاف فكذلك نفقتهم كثيرة كانت أو قليلة بعد أن صدرت عن ابتغاء مرضاة الله والتثبيت من نفوسهم فهي زاكية عند الله نامية مضاعفة