وقال القرطبى :
حكى الطبريّ عن السدي أن هذه الآية مَثَلٌ آخر لنفقة الرياء، ورجح هو هذا القول.
قلت وروي عن ابن عباس أيضاً قال : هذا مثل ضَرَبَهُ الله للمرائين بالأعمال يبطلها يوم القيامة أحوج ما كان إليها، كمثل رجل كانت له جنة وله أطفال لا ينفعونه فكبِر وأصاب الجنة إعصار أي ريح عاصف فيه نار فاحترقت ففقدها أحوج ما كان إليها.
وحُكي عن ابن زيد أنه قرأ قول الله تعالى :﴿ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بالمن والأذى﴾ الآية، قال ؛ ثم ضرب في ذلك مثلاً فقال :﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ﴾ الآية.
قال ابن عطية : وهذا أبين من الذي رجّح الطبريّ، وليست هذه الآية بِمَثَلٍ آخر لنفقة الرياء ؛ هذا هو مقتضى سياق الكلام.
وأما بالمعنى في غير هذا السياق فتشبه حال كل منافق أو كافر عمل عملاً وهو يحسب أنه يحسن صنعاً فلما جاء إلى وقت الحاجة لم يجد شيئاً.
قلت : قد روي عن ابن عباس أنها مَثَلٌ لمن عمل لغير الله من منافق وكافر على ما يأتي، إلاَّ أن الذي ثبت في البخاريّ عنه خلاف هذا.
خرج البخاري عن عُبيد بن عُمير قال : قال عمر بن الخطاب يوماً لأصحاب رسول الله ﷺ : فيم ترون هذه الآية نزلت :﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ﴾ ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ؛ فغضب عمر وقال : قولوا : نعلم أو لا نعلم! فقال ابن عباس : في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين ؛ قال : يابن أخي قل ولا تحقر نفسك ؛ قال ابن عباس : ضربت مثلاً لعملٍ.
قال عمر : أي عمل ؟ قال ابن عباس : لعملِ رجل غنيِّ يعمل بطاعة الله ثم بعث الله عزّ وجلّ له الشيطان فعمل في المعاصي حتى أحرق عمله.
في رواية : فإذا فنِي عمره واقترب أجله ختم ذلك بعمل من أعمال الشقاء ؛ فرضى ذلك عمر.
وروى ابن أبي مُليكة أن عمر تلا هذه الآية.


الصفحة التالية