فِي وَقْتٍ آخَرَ : إِنَّ كَلِمَةَ فِي سَبِيلِ اللهِ تَشْتَمِلُ جَمِيعَ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، وَهُوَ مَا جَرَيْنَا عَلَيْهِ آنِفًا.
أَقُولُ : وَمَنْ أَرَادَ كَمَالَ الْبَيَانِ فِي ذَلِكَ فَلِيَعْتَبِرْ بِمَا يَرَاهُ فِي الْأُمَمِ الْعَزِيزَةِ الَّتِي يُنْفِقُ أَفْرَادُهَا مَا يُنْفِقُونَ فِي إِعْلَاءِ شَأْنِهَا بِنَشْرِ الْعُلُومِ وَتَأْلِيفِ الْجَمْعِيَّاتِ الدِّينِيَّةِ وَالْخَيْرِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي تَقُومُ بِهَا الْمَصَالِحُ الْعَامَّةُ، إِذْ يُرَى كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ أَدْنَى طَبَقَاتِهَا عَزِيزًا بِهَا مُحْتَرَمًا بِاحْتِرَامِهَا مَكْفُولًا بِعِنَايَتِهَا كَأَنَّ أُمَّتَهُ وَدَوْلَتَهُ مُتَمَثِّلَتَانِ فِي شَخْصِهِ، وَلِيُقَابِلَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْأَفْرَادِ وَبَيْنَ كُبَرَاءِ الْأُمَمِ الَّتِي ضَعُفَتْ وَذَلَّتْ بِإِهْمَالِ الْإِنْفَاقِ فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَإِعْلَاءِ شَأْنِ الْمِلَّةِ كَيْفَ
يَرَاهُمْ أَحْقَرَ فِي الْوُجُودِ مِنْ صَعَالِيكِ غَيْرِهِمْ، ثُمَّ لِيَرْجِعْ إِلَى نَفْسِهِ وَلِيَتَأَمَّلْ كَيْفَ أَنَّ نَفَقَةَ كُلِّ فَرْدٍ مِنَ الْأَفْرَادِ فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ يَصِحُّ أَنْ تُعْتَبَرَ هِيَ الْمُسْعِدَةُ لِلْأُمَّةِ كُلِّهَا مِنْ حَيْثُ إِنَّ مَجْمُوعَ النَّفَقَاتِ الَّتِي بِهَا تَقُومُ الْمَصَالِحُ تَتَكَوَّنُ مِمَّا يَبْذُلُهُ الْأَفْرَادُ، فَلَوْلَا الْجُزْئِيَّاتُ لَمْ تُوجَدِ الْكُلِّيَّاتُ، وَمِنْ حَيْثُ إِنَّ النَّاسَ يَقْتَدِي بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ بِمُقْتَضَى الْجِبِلَّةِ وَالْفِطْرَةِ ; فَكُلُّ مَنْ بَذَلَ شَيْئًا فِي سَبِيلِ اللهِ كَانَ إِمَامًا وَقُدْوَةً


الصفحة التالية
Icon