كما أن الجهاد واقع عند الحاجة إليه والمنفق ابتغاء مرضاة الله ينفق في كل وجه دائم الإنفاق،
فكان مثله مثل الجنة الدائمة ليتطابق المثلان بالممثولين،
فعمت هذه النفقة جهات الإنفاق كلها في جميع سبل الخير - انتهى.
﴿بربوة﴾ أي مكان عال ليس بجبل.
قال الحرالي : في إعلامه أن خير الجنات ما كان في الربوة لتنالها الشمس وتخترقها الرياح اللواقح،
فأما ما كان من الجنان في الوهاد تجاوزتها الرياح اللواقح من فوقها فضعفت حياتها،
لأن الرياح هي حياة النبات " الريح من نفس الرحمن " انتهى.
ثم وصفها بقوله :﴿أصابها وابل﴾ أي مطر كثير ﴿فأتت أكلها﴾ أي أخرجته بإذن الله سبحانه وتعالى حتى صار في قوة المعطي ﴿ضعفين﴾ أي مثل ما كانت تخرجه لو أصابها دون الوابل - كذا قالوا : مثلين،
والظاهر أن المراد أربعة أمثاله،
لأن المراد بالضعف قدر الشيء ومثله معه فيكون الضعفان أربعة - والله سبحانه وتعالى أعلم ؛ والآية من الاحتباك،
ذكر المنفق أولاً دال على حذف صاحب الجنة ثانياً،
وذكر الجنة ثانياً دال على حذف النفقة أولاً.
ولما كان الوابل قد لا يوجد قال :﴿فإن لم يصبها وابل فطل﴾ أي فيصيبها لعلوها طل،
وهو الندى الذي ينزل في الضباب.
وقال الحرالي : الطل سن من أسنان المطر خفي لا يدركه الحس حتى يجتمع،
فإن المطر ينزل خفياً عن الحس وهو الطل،
ثم يبدو بلطافة وهو الطش،
ثم يقوى وهو الرش،
ثم يتزايد ويتصل وهو الهطل،
ثم يكثر ويتقارب وهو الوابل،
ثم يعظم سكبه وهو الجود ؛ فله أسنان مما لا يناله الحس للطافته إلى ما لا يحمله الحس كثرة - انتهى.
والمعنى أن أهل هذا الصنف لا يتطرق إلى أعمالهم فساد،
غايتها أن يطرقها النقص باعتبار ضعف النيات،
ولذلك كان التقدير تسبيباً عن ذلك : فالله بما تستحقون على نياتكم عليم،
فعطف عليه قوله :﴿والله﴾ أي المحيط علماً وقدرة ﴿بما تعملون﴾ أي بما ظهر منه ﴿بصير﴾ كما هو كذلك بما بطن،