نَفْسَهُ إِلَى النَّاسِ بِظُهُورِهِ فِي مَظْهَرِ الْبَغْضَاءِ لَهُمْ، وَلَا شَكَّ أَنَّ السَّلْمَ وَالْوَلَاءَ، خَيْرٌ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ،
وَأَنَّ أَضْمَنَ شَيْءٍ لِمَصْلَحَةِ الْأُمَّةِ وَأَقْوَى مُعَزِّزٍ لَهَا هُوَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَفْرَادِهَا فِي عَيْنِ الْآخَرِ وَقَلْبِهِ فِي مَقَامِ الْمُعِينِ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُعِنْهُ بِالْفِعْلِ.
وَأَقُولُ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مُقَرِّرَةٌ لِقَاعِدَةِ: " دَرْءُ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ " الَّتِي هِيَ مِنْ أَعْظَمِ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ، وَمُبَيِّنَةٌ أَنَّ الْخَيْرَ لَا يَكُونُ طَرِيقًا وَوَسِيلَةً إِلَى الشَّرِّ، وَمُرْشِدَةٌ إِلَى وُجُوبِ الْعِنَايَةِ بِجَعْلِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ خَالِيًا مِنَ الشَّوَائِبِ الَّتِي
تُفْسِدُهُ وَتَذْهَبُ بِفَائِدَتِهِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا، وَإِلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ عَجَزَ عَنْ إِحْسَانِ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَجَعْلِهِ خَالِصًا نَقِيًّا أَنْ يَجْتَهِدَ فِي إِحْسَانِ عَمَلٍ آخَرَ يُؤَدِّي إِلَى غَايَتِهِ حَتَّى لَا يُحْرَمَ مِنْ فَائِدَتِهِ بِالْمَرَّةِ، كَمَنْ شَقَّ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ لَا يَمُنَّ وَلَا يُؤْذِي فَحَثَّ عَلَى الصَّدَقَةِ أَوْ جَبَرَ الْفَقِيرَ بِقَوْلِ الْمَعْرُوفِ. وَمِنَ الْبَدِيهِيِّ أَنَّ أَعْمَالَ الْبِرِّ وَالْخَيْرِ لَا يُغْنِي بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ، فَكَيْفَ يُغْنِي تَرْكُ الشِّرْكِ وَاتِّقَاءُ الْمَفَاسِدِ عَنْ عَمَلِ الْخَيْرِ وَالْقِيَامِ بِالْمَصَالِحِ.