وَوَجْهُ الشَّبَهِ عِنْدِي : أَنَّ الْمُنْفِقَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَالتَّثْبِيتِ مِنْ نَفْسِهِ هُوَ فِي إِخْلَاصِهِ وَسَخَاءِ نَفْسِهِ وَإِخْلَاصِ قَلْبِهِ كَالْجَنَّةِ الْجَيِّدَةِ التُّرْبَةِ الْمُلْتَفَّةِ الشَّجَرِ الْعَظِيمَةِ الْخِصْبِ فِي كَثْرَةِ بِرِّهِ وَحُسْنِهِ، فَهُوَ يَجُودُ بِقَدْرِ سَعَتِهِ، فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ كَثِيرٌ أَغْدَقَ وَوَسُعَ فِي الْإِنْفَاقِ، وَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ قَلِيلٌ أَنْفَقَ مِنْهُ بِقَدْرِهِ، فَخَيْرُهُ دَائِمٌ وَبِرُّهُ لَا يَنْقَطِعُ ; لِأَنَّ الْبَاعِثَ عَلَيْهِ ذَاتِيٌّ لَا عَرَضِيٌّ كَأَهْلِ الرِّيَاءِ وَأَصْحَابِ الْمَنِّ وَالْإِيذَاءِ. هَذَا مَا سَبَقَ إِلَى فَهْمِي عِنْدَ الْكِتَابَةِ، فَالْوَابِلُ وَالطَّلُّ عَلَى هَذَا عِبَارَةٌ عَنْ سَعَةِ الرِّزْقِ وَمَا دُونُ السَّعَةِ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى مَا كَتَبْتُ فِي مُذَكِّرَتِي عَنِ الْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ فَإِذَا هُوَ قَدْ قَالَ فِي الدَّرْسِ : إِنَّ النِّيَّةَ الصَّالِحَةَ فِي الْإِنْفَاقِ كَالْوَابِلِ لِلْجَنَّةِ فِيهَا تَكُونُ النَّفَقَةُ نَافِعَةً لِلنَّاسِ ; لِأَنَّ أَصْحَابَهَا يَتَحَرَّوْنَ فَيَضَعُونَ نَفَقَتَهُمْ مَوْضِعَ الْحَاجَةِ لَا يُبَذِّرُونَ بِغَيْرِ رَوِيَّةٍ. ثُمَّ قَالَ عِنْدَ ذِكْرِ الطَّلِّ : أَيْ أَنَّ أَمْثَالَ هَؤُلَاءِ الْمُخْلِصِينَ لَا يَخِيبُ قَاصِدُهُمْ ; لِأَنَّ رَحْمَةَ قُلُوبِهِمْ لَا يَغُورُ مَعِينُهَا فَإِنْ لَمْ تُصِبْهُ بِوَابِلٍ مِنْ عَطَائِهَا لَمْ يَفُتْهُ طَلُّهُ، فَهُمْ كَالْجَنَّةِ الَّتِي لَا يُخْشَى عَلَيْهَا الْيُبْسُ وَالزَّوَالُ، وَقَدْ خَتَمَ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ -. وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ لِيُذَكِّرَنَا بِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ الْمُخْلِصُ مِنَ الْمُرَائِي تَحْذِيرًا لَنَا مِنَ