ظاهر قوله ﴿لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ﴾ خطاب مع النبي ﷺ ولكن المراد به هو وأمته، ألا تراه قال :﴿إِن تُبْدُواْ الصدقات﴾ [ البقرة : ٢٧١ ] وهذا خطاب عام، ثم قال :﴿لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ﴾ وهو في الظاهر خاص، ثم قال بعده ﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنفُسِكُمْ﴾ وهذا عام فيفهم من عموم ما قبل الآية وعموم ما بعدها عمومها أيضاً. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٧ صـ ٦٨﴾
وقال أبو السعود :
﴿لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ﴾ أي لا يجب عليك أن تجعلهم مهديين إلى فعلِ ما أُمروا به من المحاسن والانتهاءِ عما نُهوا عنه من القبائح المعدودة وإنما الواجبُ عليك الإرشادُ إلى الخير والحثُ عليه والنهيُ عن الشر والردعُ عنه بما أوحي إليك من الآياتِ والذكرِ الحكيم. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ١ صـ ٢٦٤﴾
فائدة
قال ابن عاشور :
و( على ) في قوله ﴿عليك﴾ للاستعلاء المجازي، أي طلب فعل على وجه الوجوب.
والمعنى ليس ذلك بواجب على الرسول، فلا يحزن على عدم حصول هداهم لأنّه أدّى واجب التبليغ، أو المعنى ليس ذلك بواجب عليكم أيّها المعالجين لإسلامهم بالحرمان من الإنفاق حتى تسعوا إلى هداهم بطرق الإلجاء.
وتقديم الظرف وهو ﴿عليك﴾ على المسند إليه وهو ﴿هُداهم﴾ إذا أجرى على ما تقرّر في علم المعاني من أنّ تقديم المسند الذي حقّه التأخير يفيد قصر المسند إليه إلى المسند، وكان ذلك في الإثبات بيّناً لا غبار عليه نحو ﴿لكم دينكم ولي ديني﴾ [ الكافرون : ٦ ] وقولِه :﴿لها ما كسبت عليها ما اكتسبت﴾ [ البقرة : ٢٨٦ ]، فهو إذا وقع في سياق النفي غير بيّن لأنّه إذا كان التقديم في صورة الإثبات مفيداً للحصر اقتضى أنّه إذا نفي فقد نفي ذلك الانحصار ؛ لأنّ الجملة المكيّفة بالقصر في حالة الإثبات هي جملة مقيَّدة نسبتُها بقيد الانحصار أي بقيد انحصار موضوعها في معنى محمولها.