ويفيدنا ثالثاً في الاستقرار إلى هذه الحقيقة البسيطة التي كثيراً ما نغفل عنها وننساها : وهي أن الناس هم الناس ؛ والدعوة هي الدعوة ؛ والمعركة هي المعركة.. إنها أولاً وقبل كل شيء معركة مع الضعف والنقص والشح والحرص في داخل النفس ثم هي معركة مع الشر والباطل والضلال والطغيان في واقع الحياة. والمعركة بطرفيها لا بد من خوضها. ولا بد للقائمين على الجماعة المسلمة في الأرض من مواجهتها بطرفيها كما واجهها القرآن أول مرة وواجهها رسول الله - ﷺ - ولا بد من الأخطاء والعثرات. ولا بد من ظهور الضعف والنقص في مراحل الطريق ؛ ولا بد من المضي أيضاً في علاج الضعف والنقص كلما أظهرتهما الأحداث والتجارب. ولا بد من توجيه القلوب إلى الله بالأساليب التي اتبعها القرآن في التوجيه.. وهنا نرجع إلى أول الحديث. نرجع إلى استشارة القرآن في حركات حياتنا وملابساتها. وإلى رؤيته يعمل ويتحرك في مشاعرنا وفي حياتنا كما كان يعمل ويتحرك في حياة الجماعة الأولى..
والآن نواجه النصوص القرآنية في هذا الدرس تفصيلاً :
﴿ مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل، في كل سنبلة مائة حبة. والله يضاعف لمن يشاء. والله واسع عليم ﴾..
إن الدستور لا يبدأ بالفرض والتكليف ؛ إنما يبدأ بالحض والتأليف.. إنه يستجيش المشاعر والانفعالات الحية في الكيان الإنساني كله.. إنه يعرض صورة من صور الحياة النابضة النامية المعطية الواهبة : صورة الزرع. هبة الأرض أو هبة الله. الزرع الذي يعطي أضعاف ما يأخذه، ويهب غلاته مضاعفة بالقياس إلى بذوره.
يعرض هذه الصورة الموحية مثلا للذين ينفقون أموالهم في سبيل الله :
﴿ مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل، في كل سنبلة مائة حبة ﴾..