أما المنظر الثاني المقابل له في المشهد.. فقلب عامر بالإيمان، ندي ببشاشته. ينفق ماله ﴿ ابتغاء مرضاة الله ﴾.. وينفقه عن ثقة ثابتة في الخير، نابعة من الإيمان، عميقة الجذور في الضمير.. وإذا كان القلب الصلد وعليه ستار من الرياء يمثله صفوان صلد عليه غشاء من التراب، فالقلب المؤمن تمثله جنة. جنة خصبة عميقة التربة في مقابل حفنة التراب على الصفوان. جنة تقوم على ربوة في مقابل الحجر الذي تقوم عليه حفنة التراب! ليكون المنظر متناسق الأشكال! فإذا جاء الوابل لم يذهب بالتربة الخصبة هنا كما ذهب بغشاء التراب هناك. بل أحياها وأخصبها ونماها..
﴿ فأصابها وابل فآتت أكلها ضعفين ﴾..
أحياها كما تحيي الصدقة قلب المؤمن فيزكو ويزداد صلة بالله، ويزكو ماله كذلك ويضاعف له الله ما يشاء. وكما تزكو حياة الجماعة المسلمة بالإنفاق وتصلح وتنمو :
﴿ فإن لم يصبها وابل ﴾.. غزير.. ﴿ فطل ﴾ من الرذاذ يكفي في التربة الخصبة ويكفي منه القليل!
إنه المشهد الكامل، المتقابل المناظر، المنسق الجزئيات، المعروض بطريقة معجزة التناسق والأداء، الممثل بمناظره الشاخصة لكل خالجة في القلب وكل خاطرة، المصور للمشاعر والوجدانات بما يقابلها من الحالات والمحسوسات، الموحي للقلب باختيار الطريق في يسر عجيب..
ولما كان المشهد مجالاً للبصر والبصيرة من جانب، ومرد الأمر فيه كذلك إلى رؤية الله ومعرفته بما وراء الظواهر، جاء التعقيب لمسة للقلوب :
﴿ والله بما تعملون بصير ﴾..
فأما المشهد الثاني فتمثيل لنهاية المن والأذى، كيف يمحق آثار الصدقة محقاً في وقت لا يملك صاحبها قوة ولا عوناً ولا يستطيع لذلك المحق رداً تمثيل لهذه النهاية البائسة في صورة موحية عنيفة الإيحاء. كل ما فيها عاصف بعد أمن ورخاء :


الصفحة التالية
Icon