هذه الحقيقة يقررها القرآن الكريم ويكررها ويؤكدها بكل مؤكد. كي لا تبقى حجة لمن يريد أن ينحرف عن منهج الله ثم يدعي الهدى والصواب في أي باب. ليست هنالك شبهة ولا غشاوة.. الله. أو الشيطان. منهج الله أو منهج الشيطان. طريق الله أو طريق الشيطان.. ولمن شاء أن يختار.. ﴿ ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة ﴾ لا شبهة ولا غبش ولا غشاوة.. وإنما هو الهدى أو الضلال. وهو الحق واحد لا يتعدد.. فماذا بعد الحق إلا الضلال؟!
بعد ذلك نعود مع السياق إلى الصدقة.. إن الله يعلم كل ما ينفقه المنفق.. صدقة كان أم نذراً. وسراً كان أم جهراً. ومن مقتضى علمه أنه يجزي على الفعل وما وراءه من النية :
﴿ وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه. وما للظالمين من أنصار. إن تبدوا الصدقات فنعما هي، وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ؛ ويكفر عنكم من سيئاتكم، والله بما تعملون خبير ﴾..
والنفقة تشمل سائر ما يخرجه صاحب المال من ماله : زكاة أو صدقة أو تطوعاً بالمال في جهاد.. والنذر نوع من أنواع النفقة يوجبه المنفق على نفسه مقدّراً بقدر معلوم. والنذر لا يكون لغير الله ولوجهه وفي سبيله. فالنذر لفلان من عباده نوع من الشرك، كالذبائح التي كان يقدمها المشركون لآلهتهم وأوثانهم في شتى عصور الجاهلية.
﴿ وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه ﴾..
وشعور المؤمن بأن عين الله - سبحانه - على نيته وضميره، وعلى حركته وعمله.. يثير في حسه مشاعر حية متنوعة ؛ شعور التقوى والتحرج أن يهجس في خاطره هاجس رياء أو تظاهر، وهاجس شح أو بخل، وهاجس خوف من الفقر أو الغبن. وشعور الاطمئنان على الجزاء والثقة بالوفاء. وشعور الرضى والراحة بما وفى لله وقام بشكر نعمته عليه بهذا الإنفاق مما أعطاه..
فأما الذي لا يقوم بحق النعمة ؛ والذي لا يؤدي الحق لله ولعباده ؛ والذي يمنع الخير بعد ما أعطاه الله إياه.


الصفحة التالية
Icon