قال العلامة البقاعي، بعد نقله ما ذكرنا : وقد ورد في كثير من الأحاديث عن النبي ﷺ :< إن الشيطان يجري من الْإِنْسَاْن مجرى الدم >. وورد أنه ﷺ أخرج الصارع من الجن من جوف المصروع في صورة كلب. ونحو ذلك. وفي كتب الله سبحانه وتعالى المتقدمة ما لا يحصى من مثل ذلك. وأما مشاهدة المصروع، يخبر المغيبات وهو مصروع غائب الحس، وربما كان ملقى في النار وهو لا يحترق، وربما ارتفع في الهواء من غير رافع - فكثير جداً. لا يحصى مشاهدوه. إلى غير ذلك من الأمور الموجب للقطع أن ذلك من الجن أو الشياطيين. وها أنا أذكر لك في ذلك من أحاديث النبي ﷺ ما فيه مقنع لمن تدبره والله الموفق.
روى الدارمي في أوائل مسنده بسند حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن امرأة جاءت بابن لها إلى رسول الله ﷺ فقالت : يا رسول الله : إن ابني به جنون، وأنه يأخذه عند غدائنا وعشائنا، فيخبِّث علينا. فمسح رسول الله ﷺ صدره ودعا. فثعّ ثعّةً. وخرج من صدره مثل الجرو الأسود فسعى. وقوله : ثعّ، بمثلثة ومهملة، أي : قاء.
وللدارمي أيضاً وعبد بن حميد بسند حسن أيضاً عن جابر رضي الله عنه قال : خرجت مع النبي ﷺ في سفر. فركبنا مع رسول الله ﷺ. ورسول الله ﷺ بيننا كأنما على رؤوسنا الطير، تظلنا. فعرضت له امرأة معها صبي لها. فقالت : يا رسول الله ! إن ابني هذا يأخذه الشيطان كل يوم ثلاث مرار. فتناول الصبي فجعله بينه وبين مقدم الرحل. ثم قال : اخسأ، عدو الله ! أنا رسول الله ثلاثاً ثم دفعه إليها.