﴿ فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ ﴾ أي : بلغه وعظ وزجر، كالنهي عن الربا :﴿ مِّن رَّبِّهِ ﴾ متعلق بجاءه أو بمحذوف وقع صفة لموعظة. والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة للإشعار بكون مجيء الموعظة للتربية :﴿ فَانتَهَىَ ﴾ عطف على جاءه أي : فاتعظ بلا تراخ، وتبع النهي :﴿ فَلَهُ مَا سَلَفَ ﴾ أي : ما تقدم أخذه قبل التحريم ولا يسترد منه :﴿ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ ﴾ إن شاء أخذه لظهور الفرق وإن شاء عفا عنه، لأن الفرق، وإن ظهر لأرباب النظر، يجوز أن يخفى على العوام :﴿ وَمَنْ عَادَ ﴾ أي : إلى تحليل الربا بعد النص :﴿ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ لكفرهم بالنص، وردهم إياه بقياسهم الفاسد، بعد ظهور فساده. ومن أحل ما حرم الله عز وجل فهو كافر. فلذا استحق الخلود. وبهذا تبين أن لا تعلق للمعتزلة بهذه الآية في تخليد الفساق. حيث بنوا على أن المتوعد عليه بالخلود العود إلى فعل الربا خاصة. ولا يخفى أنه لا يساعدهم على ذلك الظاهر الذي استدلوا به. فإن الذي وقع العود إليه محمول على ما تقدم، كأنه قال : ومن عاد إلى ما سلف ذكره، وهو فعل الربا واعتقاد جوازه والاحتجاج عليه بقياسه على البيع. ولا شك أن من تعاطى معاملة الربا مستحلاً لها مكابراً في تحريمها، مسنداً إحلالها إلى معارضة آيات الله البينات، بما يتوهمه من الخيالات - فقد كفر ثم ازداد كفراً. وإذ ذاك يكون الموعود بالخلود في الآية من يقال إنه كافر مكذب غير مؤمن. وهذا لا خلاف فيه، وفلا دليل إذاً للمعتزلة على اعتزالهم في هذه الآية. والله الموفق. أشار لذلك في " الانتصاف ".
قال في فتح البيان : والمصير إلى هذا التأويل واجب، للأحاديث المتواترة القاضية بخروج الموحدين من النار. أ هـ ﴿محاسن التأويل حـ ٣ صـ ٢٦٣ ـ ٢٧١﴾