و" لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس" فكأن الشيطان قد مس التكوين الإنساني مساً أفسد استقامة ملكاته، فالتكوين الإنساني له استقامة ملكات مع بعضها البعض ؛ فكل حركة لها استقامة، فإذا ما مسه الشيطان فسد تآزر الملكات، فملكاته النفسية تكون غير مستقيمة وغير منسجمة مع بعضها البعض، فتكون حركته غير رتيبة وغير منطقية. وما المناسبة بين هذه الصورة وبين عملية الربا ؟. إن أردنا في الآخرة ميزة، فساعة ترى واحداً مصروعا فاعرف أنه من أصحاب الربا، هذا في الآخرة، وفي الدنيا تجد أيضاً أن له حركة غير منطقية، هستيرية، كيف ؟
انظر إلى العالم الآن، لقد خلق الله العالم على هيئة من التكامل. فهذا إنسان يتمتع بإمكانات ومواهب، وذاك يتمتع بمواهب وإمكانات أخرى، حتى يحتاج صاحب هذه الإمكانات إلى صاحب تلك الإمكانات فيكتمل الكون، ولو أن كل إنسان كان وحده متكررة لاستغنى الكل عن الكل. ولو أن الأفراد متساوون في المواهب لما احتاج الناس لبعضهم البعض. لكن المواهب تختلف ؛ لأنك إن أجدت فنا من فنون الحياة فقد أجاد سواك فنونا أخرى أنت محتاج إليها، فإن احتاجوا إليك فيما أجدت، فقد احتجت إليهم فيما أجادوا، وهكذا يتكامل العالم. وكذلك خلق الله الكون : مناطق حارة، ومناطق باردة، ومناطق بها معادن، ومناطق بها زراعة ؛ حتى يضطر العالم إلى أن يتكامل، ويضطر العالم إلى أن يتعايش مع بعضه ولذلك يقول الحق في سورة " الرحمن"
وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (١٠)
(سورة الرحمن)