أما كان على هذا الكون بعقلائه أن يبحثوا عن السبب في هذا، وأن يعرفوا لماذا نشقى كل هذا الشقاء وعندنا هذه الطموحات الابتكارية ؟ كان يجب أن يبحثوا، فالمصيبة عامة، لا تعم الدول المتخلفة أو النامية فقط، بل هي أيضاً في الدول المتقدمة، كان يجب أن يعقد المفكرون المؤتمرات ليبحثوا هذه المسألة، فإذا ما كانت المسألة عامة تضم كل البلاد متقدمها ومتأخرها وجب أن نبحث عن سبب مشترك، ولا نبحث عن سبب قد يوجد عند قوم ولا يوجد عن قوم آخرين ؛ لأننا لو بحثنا لقلنا : يوجد في هذه البيئة. وكذلك هو موجود في كل البيئات، فلابد ان يوجد القدر المشترك.
فالأرزاق التي توجد في الكون تنقسم إلى قسمين : رزق أنتفع به مباشرة، ورزق هو سبب لما أنتفع به مباشرة. أنا آكل رغيف الخبز، هذا اسمه رزق مباشر، وأشرب كون الماء، وهو رزق مباشر، واكتسي بالثوب وذلك أيضا رزق مباشر، وأسكن في البيت وهذا رابعا رزق مباشر، وأنير المصباح رزق مباشر. ولكن المال يأتي بالرزق المباشر، ولا يغني عن الرزق المباشر. فإذا كان عندي جبل من ذهب وأنا جوعان، ماذا أفعل به ؟. إذن فرغيف العيش احسن منه، هذا رزق مباشر، فالنقود أو الذهب اشتري بها هذا وهذا، لكن لا يغنيني عن هذا وهذا.
وقد جاء وقت أصبح الناس يرون فيه أن المال هو كل شيء حتى صار هدفا وتعلق الناس به.. وفي الحق أن المال ليس غاية، ولا ينفع أن يكون غاية بل هو وسيلة. فإن فقد وسيلته وأصبح غاية فلابد أن يفسد الكون ؛ فعلة فساد الكون كله في القدر المشترك الذي هو المال، حيث أصبح المال غاية، ولم يعد وسيلة. والحق سبحانه وتعالى يريد أن يطهر حياة الاقتصاد للناس طهارة تضمن حل ما يطعمون، وما يشربون، وما يكتسون، حتى تصدر أعمالهم عن خليات إيمانية طاهرة مصفاة ؛ ذلك أن الشيء الذي يصدر عن خلية إيمانية طاهرة مصفاة لا يمكن أن ينشأ عنه إلا الخير.


الصفحة التالية
Icon