تلك هي عظمة التشريع الرباني " فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله" أي أن له ما سبق وما مضى قبل تحريم الربا. وتفيد كلمة " وأمره إلى الله" أن الله سبحانه وتعالى حينما يعفو عما سلف فله طلاقة الحرية في أن يقنن ما شاء، فيجب أن تتعلق دائما باستدامة الفضل من الله. " وأمره إلى الله" إن مثل هذا الإنسان ربما قال : سأنهار اقتصاديا ومركزي سيتزعزع، وسأصبح كذا وكذا. لا. اجعل سندك في الله، ففي الله عوض عن كل فائت، هو سبحانه لا يريد أن يزلزل مراكز الناس، ولكن يريد أن يقول لهم : إنني إن سلبتكم نعمتي فاجعلوا أنفسكم في حضانة المنعم بالنعمة.
ومادمت قد جعلت نفسك في حضانة المنعم بالنعمة، إذن فالنعمة لا شيء ؛ لأن المنعم عوض عن هذه النعمة، والربا من السبع الموبقات التي أمر الرسول ﷺ باجتنابها حيث قال :" اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هن ؟ قال : الشرك بالله والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات" رواه البخارى ومسلم " وأمره إلى الله ومن عاد" أي عاد بعد الموعظة ماذا يكون أمره ؟ " فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون". وكان يكفي أن يقول عنهم : إنهم " أصحاب النار" فلعل واحداً يكون مؤمنا وبعد ذلك عاد إلى معصية، فيأخذ حظه من النار.
إنما قوله :" هم فيها خالدون" يدل على أنه خرج عن دائرة الإيمان. وافهم السابق جيداً لتفهم التذييل اللاحق ؛ لأن هنا أمرين : هنا ربا حرمه الله، وأناس يريدون أن يحللوا الربا عندما قالوا :" إنما البيع مثل الربا"، فإن عدت إلى الربا حاكما بحرمته فأنت مؤمن عاصٍ تدخل النار. إنما إن عدت إلى ما سلف من المناقشة في التحريم، وقلت : البيع مثل الربا، وناقشت في حرمة الربا وأردت أن تحلله كالبيع فقد خرجت عن دين الإسلام. وحين تخرج عن دين الإسلام فلك الخلود في النار.