قلت : وهذه السِّيما التي هي أثر السجود اشترك فيها جميع الصحابة رضوان الله عليهم بإخبار الله تعالى في آخر " الفتح" بقوله :﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ السجود﴾ [ الفتح : ٢٩ ] فلا فرق بينهم وبين غيرهم ؛ فلم يبق إلاَّ أن تكون السيماء أثر الخصاصة والحاجة، أو يكون أثر السجود أكثر، فكانوا يعرفون بصفرة الوجوه من قيام الليل وصوم النهار.
والله أعلم.
وأما الخشوع فذلك محله القلب ويشترك فيه الغنيّ والفقير، فلم يبق إلاَّ ما اخترناه، والموفق الإله. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٣ صـ ٣٤١ ـ ٣٤٢﴾
فائدة
قال القرطبى :
قوله تعالى :﴿تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ﴾ فيه دليل على أن للسِّيما أثراً في اعتبار من يظهر عليه ذلك، حتى إذا رأينا ميتاً في دار الإسلام وعَلَيْهِ زُنَّار وهو غير مختون لا يدفن في مقابر المسلمين ؛ ويقدّم ذلك على حكم الدار في قول أكثر العلماء ؛ ومنه قوله تعالى :﴿وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ القول﴾ [ محمد : ٣٠ ].
فدلّت الآية على جواز صرف الصدقة إلى من له ثياب وكسوة وزيّ في التجمّل.
واتفق العلماء على ذلك، وإن اختلفوا بعده في مقدار ما يأخذه إذا احتاج.
فأبو حنيفة اعتبر مقدار ما تجب فيه الزكاة، والشافعيّ اعتبر قوت سنة، ومالك اعتبر أربعين درهماً ؛ والشافعيّ لا يصرف الزكاة إلى المكتسب. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٣ صـ ٣٤٠﴾
قوله تعالى :﴿لاَ يسألون الناس إلحافاً﴾
فائدة
قال القرطبى :
اشتقاق الإلحاف من اللّحاف، سُمِّيَ بذلك لاشتماله على وجوه الطلب في المسألة كاشتمال اللحاف من التغطية، أي هذا السائل يعم الناس بسؤاله فيُلِحفهم ذلك ؛ ومنه قول ابن أحمر :
فَظَلّ يَحُفُّهن بَقَفْقَفَيْه...
وَيَلْحَفُهُنّ هَفْهافَا ثَخِينَا
يصف ذكر النعام يحضُن بيضاً بجناحيه ويجعل جناحه لها كاللحاف وهو رقيق مع ثخنه.