فأمرهم سبحانه بعبادته وتوحيده وبالإحسان إلى المذكورين فى الآية ومن الإحسان إليهم خفض الجناح ولين المقال والإنصاف بما وصف الله به من يحبهم فى قوله :" أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين"، والاختلال والفخر مضاده لهذه الأوصاف الحميده مانعة منها ولا يمكن معها الإحسان المطلوب فى الآية فلهذا أعقبت بقوله تعالى :" إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا"
فان المنصف بهذا متصف بنقيض الإحسان فمناسبة هذا بينة.
وأما الآية الثانية من سورة النساء فقد تقدمها قوله تعالى :" إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما"، ثم قال :" ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم"، قدم الخائنين وحذر نبيه ﷺ من معاونتهم والجدال عنهم وأعقب بأنه لا يحب من اتصف بصفاتهم فقال تعالى :" إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما"، وتناسب هذا أوضح شئ.
وأما آية الحديد فإن قبلها قوله تعالى :" اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم... الآية " فناسب هذا قوله تعالى :" والله لا يحب كل مختال فخور"
فقد وضحت مناسبة كل آية من هذه لما اتصلت به وإن كان كل آية من هذه المعقبات لا يلائمها غير ما اتصلت به والله أعلم.
وقد وضع فى هذا الجواب جواب السؤال الثانى وهو أن آية البقرة إنما ترتبت على آكلى الربا والمسوين بينه وبين البيع المشروع وهؤلاء صنف واحد ومرتكبهم واحد وأن آية الحديد ترتبت على حكم الخيلاء والفخر وذلك إذا تحقق أيضا راجع إلى الكبر فالمادة واحدة.