ثم قال : وقد نظر الماليون والاقتصاديون في أمر الربا فقالوا : إن المعتدل منه نافع بل لا بد منه. أولاً : لأجل قيام المعاملات الكبيرة. وثانياً : لأجل أن النقود الموجودة لا تفي للتداول، فكيف إذا أمسك المكتنزون قسماً منها أيضاً ؟ ! وثالثاً : لأجل أن الكثيرين من المتمولين لا يعرفون طرائق الاسترباح، أو لا يقدرون عليها. كما أن كثيراً من العارفين بها لا يجدون رؤوس أموال ولا شركاء عنان.
فهذا النظر صحيح من وجه إنماء ثروات الأفراد والأمم. أما السياسيون والأخلاقيون : فينظرون إلى أن ضرر ذلك في جمهور الأمم أكبر من نفعها، لأن هذه الثروات الإفرادية تمكن الاستبداد الداخلي. فتجعل الناس صنفين : عبيداً وأسياداً. وتقوي الاستبداد الخارجي فتسهل التعدي على حرية واستقلال الأمم الضعيفة مالاً وعدة. وهذه مقاصد فاسدة في نظر الحكمة والعدالة. ولذلك حرمت الأديان الربا تحريماً مغلظاً. انتهى.
الرابعة : قال الرازي : لما بالغ تعالى في الزجر عن الربا، وكان قد بالغ في الآيات المتقدمة في الأمر بالصدقات، ذكر ههنا ما يجري مجرى الداعي إلى ترك الصدقات وفعل الربا، وكشف عن فساده. وذلك لأن الداعي إلى فعل الربا تحصيل المزيد في الخيرات. والصارف عن الصدقات : الاحتراز عن نقصان الخيرات. فبين تعالى أن الربا وإن كان زيادة في المال إلا أنه نقصان في الحقيقة. وإن الصدقة وإن كانت نقصاناً في الصورة إلا أنها زيادة في المعنى. ولما كان الأمر كذلك كان اللائق بالعاقل أن لا يلتفت إلى ما يقضي به الطبع والحس من الدواعي والصوارف. بل يعول على ما ندبه الشرع إليه منهما.
وقال القفال : ونظير قوله :﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا ﴾، المثل الذي ضربه فيما تقدم بصفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلداً. ونظير قوله :﴿ وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾، المثل الذي ضربه بحبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة.