إن هذه قضية قرآنية تعهد الله بحفظها، فلابد أن يأتي واقع الحياة ليؤيدها، فإذا كان واقع الحياة لا يؤيدها، ماذا يكون الموقف ؟ أنكذب القرآن ـ وحاشانا أن نكذب القرآن ـ الذي قاله الحق الذي لا إله سواه ليدير كونا من ورائه. " يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم". ولماذا قال الحق :" كفار" ولم يقل :" كافر"، ولماذا قال :" أثيم" وليس مجرد " آثم" ؟ لأنه يريد أن يرد الحكم على الله ومادام يريد أن يرد الحكم على الله، فقد كفر كفرين اثنين : كفر لأنه لم يعترف بهذه، وكفر لأنه رد الحكم على الله، وهو " أثيم"، ليس مجرد " آثم"، وفي ذلك صيغة المبالغة لنستدل على أن القضية التي نحن بصددها قضية عمرانية اجتماعية كونية، إن لم تكن كما أرادها الله فسيتزلزل أركان المجتمع كله.
وبعد أن شر لنا الحق مرارة المبالغة في " كفار" وفي " أثيم" يأتي لنا بالمقابل حتى ندرك حلاوة هذا المقابل، ومثال ذلك ما يقول الشاعر :
فالوجه مثل الصبح مبيض والشعر مثل الليل مسود
ضدان لما استجمعا حسنا والضد يظهر حسنه الضد
فكأن الله بعد أن تكلم عن الكفار والأثيم يرجعنا لحلاوة الإيمان فيقول :
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٧) }. أ هـ ﴿تفسير الشعراوى صـ ١١٩٧ ـ ١١٩٨﴾


الصفحة التالية
Icon