ما معنى أذنت ؟. أنت حين تسمع من مساو لك، فقد تنفذ وقد لا تنفذ، لكن حين تسمعه من إله قادر فلا مناص لك إلا أن تنفذ، فكأن الله يقول : إن الأرض تنشق حين تسمع أمري بالانشقاق. فبمجرد أن تسمع الأرض أمر الحق فإنها تفعل، وحق لها أن تفعل ذلك ؛ إنها أذنت لأمر الله، أي خضعت ؛ لأن القائل لها هو الله. إذن كل المادة هنا جاءت من " الأذن". ولذلك فالله يقول لمن لا يفعل ما أمر به الله في الربا ؛ " فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله". أما حرب الله فلا نقول فيها إلا قول الله :
وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ
(من الآية ٣١ سورة المدثر)
ولا يستطيع أحد أن يحتاط لها. وأما حرب رسول الله ﷺ فهذه هي الأمر الظاهر. كأن الله سبحانه وتعالى يجرد على المرابين تجريدة هائلة من جنوده التي لا يعلمها إلا هو، وحرب رسول الله جنودها هم المؤمنون برسوله، وعليهم أن يكونوا حربا على كل ظاهرة من ظواهر الفساد في الكون ؛ ليطهروا حياتهم من دنس الربا. وهكذا وضع الله نهاية لأسلوب التعامل، حتى يتطهر المال من ذلك الربا، فإذا قال الحق :" فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون" فمعنى هذا أنه سبحانه يبين لنا بهذا القول أنه لا حق للمرابين في ضعف ولا ضعفين، ولا في أضعاف مضاعفة. وحينئذ " لا تظلمون" من رابيتم، بأن تأخذوا منهم زائدا عن رأس المال.
ولكن ما موقع " ولا تظلمون"، ومن الذي يظلمهم ؟ قد يظلمهم الضعيف الذي ظلم لهم سابقا، ويأخذ منهم بعض رأس المال بدعوى أنهم طالما استغلوه فأخذوا منه قدراً زائدا على رأس المال. إن المشروع يريد أن يمنع الظالم السابق فينهي ظلمه، وأن يسعف المظلوم اللاحق فيعطيه حقه، وهو سبحانه لا يريد أن يوجه ظلما ليستغل به من ظلم فيظلم الذي ظلمه أولا، بل سبحانه يشاء بهذا الحكم أن ينهي هذا النوع من الظلم على إطلاقه، وأن يجعل الجميع على قدر سواء في الانتفاع بمزايا الحكم.


الصفحة التالية
Icon