الأول : أن يكون متعلقاً بما قبله، ولا يأب كاتب عن الكتابة التي علمه الله إياها، ولا ينبغي أن يكتب غير الكتابة التي علمه الله إياها ثم قال بعد ذلك : فليكتب تلك الكتابة التي علمه الله إياها.
والاحتمال الثاني : أن يكون متعلقاً بما بعده، والتقدير : ولا يأب كاتب أن يكتب، وهاهنا تم الكلام، ثم قال بعده ﴿كَمَا عَلَّمَهُ الله فَلْيَكْتُبْ﴾ فيكون الأول أمراً بالكتابة مطلقاً ثم أردفه بالأمر بالكتابة التي علمه الله إياها، والوجهان ذكرهما الزجاج. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٧ صـ ٩٧﴾
وقال ابن عاشور :
وقوله :﴿ كما علمه الله ﴾ أي كتابة تشابه الذي علّمه الله أن يكتبها، والمراد بالمشابهة المطابقة لا المقاربة، فهي مثل قوله :﴿ فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به ﴾ [ البقرة : ١٣٧ ]، فالكاف في موضع المفعول المطلق لأنّها صفة لمصدر محذوف.
و( ما ) موصولة.
ومعنى ما علّمه الله أنّه يكتب ما يعتقده ولا يجحف أو يوارب، لأنّ الله ما علم إلاّ الحق وهو المستقرّ في فطرة الإنسان، وإنّما ينصرف الناس عنه بالهوى فيبدّلون ويغيّرون وليس ذلك التبديل بالذي علّمهم الله تعالى، وهذا يشير إليه قوله النبي ﷺ " واستفتتِ نفسَك وإن أفْتَاكَ الناس ".
ويجوز أن تكون الكاف لمقابلة الشيء بمكافئه والعوضِ بمعوضه، أي أن يكتب كتابة تكافىء تعليم الله إياه الكتابة، بأن ينفع الناس بها شكراً على تيسير الله له أسباب علمها، وإنّما يحصل هذا الشكر بأن يكتب ما فيه حفظ الحق ولا يقصر ولا يدلّس، وينشأ عن هذا المعنى من التشبيه معنى التعليل كما في قوله تعالى :﴿ وأحسن كما أحسن الله إليك ﴾ [ القصص : ٧٧ ] وقوله :﴿ واذكروه كما هداكم ﴾ [ البقرة : ١٩٨ ].