والبَذِيء اللسانِ يسمّى سفيهاً ؛ لأنه لا تكاد تتفق البذاءة إلاّ في جهال الناس وأصحاب العقول الخفيفة.
والعرب تطلق السفه على ضعف العقل تارة وعلى ضعف البدن أُخرى ؛ قال الشاعر :
نَخافُ أن تَسْفَهَ أحلامُنا...
ويجهل الدهرُ مع الحالِم
وقال ذو الرُّمّة :
مَشَيْنَ كما اهتزَّتْ رِماحٌ تَسَفَّهَتْ...
أعالِيهَا مَرُّ الرياحِ النّواسِمِ
أي استضعفها واستلانها فحرّكها.
وقد قالوا : الضُّعف بضم الضاد في البدن وبفتحها في الرأي، وقيل : هما لغتان.
والأوّل أصح، لما روى أبو داود عن أنس بن مالك " أنّ رجلاً على عهد النبيّ ﷺ كان يبتاع وفي عقله ضَعْفٌ فأتى أهله نبيّ الله ﷺ فقالوا : يا نبيّ الله، أُحْجُرْ على فلان فإنه يبتاع وفي عقله ضعف.
فدعاه النبيّ ﷺ فنهاه عن البيع ؛ فقال : يا رسول الله، إني لا أصبر عن البيع ساعة.
فقال رسول الله ﷺ :" إن كنت غير تاركٍ البيع فقل هَاوهَا ولا خِلاَبَة" " (١). أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٣ صـ ٣٨٥ ـ ٣٨٦﴾
فصل
قال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بالعدل ﴾ ذهب الطبري إلى أن الضمير في ﴿ وَلِيُّهُ ﴾ عائد على " الْحَقُّ" وأسند في ذلك عن الربيع، وعن ابن عباس.
وقيل : هو عائد على ﴿ الذي عَلَيْهِ الحق سَفِيهاً ﴾ وهو الصحيح.
وما روي عن ابن عباس لا يصح.
وكيف تشهد البيِّنة على شيء وتُدخل مالا في ذمّة السفيه بإملاء الذي له الدَّيْن! هذا شيء ليس في الشريعة.
إلا أن يريد قائله : إن الذي لا يستطيع أن يُمِلّ لمرض أو كبر سنّ لثقل لسانه عن الإملاء أو لخرس، وإذا كان كذلك فليس على المريض ومن ثقل لسانه عن الإملاء لخرَس ولىّ عند أحد العلماء، مثل ما ثبت على الصبيّ والسفيه عند من يحجر عليه.
فإذا كان كذلك فليُمِلّ صاحب الحق بالعدل ويُسمع الذي عجز، فإذا كمل الإمْلاءُ أقرّبه.
وهذا معنىّ لم تَعْن الآَية إليه : ولا يصح هذا إلا فيمن لا يستطيع أن يُمِلّ لمرض ومن ذكر معه. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٣ صـ ٣٨٨﴾
(١) الخِلابة : الخديعة ؛ ومنه قولهم :" إذا لم تَغلِبْ فاخْلُبْ".