ثم قال :﴿ رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ ﴾ يقول : لا تثقلنا من العمل ما لا نطيق فتعذبنا، ويقال : ما تشق علينا ؛ لأنهم لو أمروا بخمسين صلاة لكانوا يطيقون ذلك ولكنه يشق عليهم ولا يطيقون الإدامة عليه ﴿ واعف عَنَّا ﴾ من ذلك كله ﴿ واغفر لَنَا ﴾ وتجاوز عنا، ويقال :﴿ واعف عَنَّا ﴾ من المسخ ﴿ واغفر لَنَا ﴾ من الخسف ﴿ وارحمنآ ﴾ من القذف ؛ لأن الأُمم الماضية بعضهم أصابهم المسخ وبعضهم أصابهم الخسف وبعضهم القذف ثم قال :﴿ أَنتَ مَوْلاَنَا ﴾ يعني ولينا وحافظنا ﴿ فانصرنا عَلَى القوم الكافرين ﴾ فاستجيبت دعوته.
وروي عن النبيّ ﷺ أنه قال :" نصرت بالرعب مسيرة شهر " ويقال إن الغُزَاة : إذا خرجوا من ديارهم بالنية الخالصة وضربوا بالطبل وقع الرعب والهيبة في قلوب الكفار مسيرة شهر في شهر، علموا بخروجهم أو لم يعلموا، ثم إن النبيّ ﷺ لما رجع أوحى الله هذه الآيات ؛ ليعلم أُمّته بذلك.
ولهذه الآية تفسير آخر ؛ قال الزجاج : لما ذكر الله تعالى في هذه السورة فرض الصلاة والزكاة وبيّن أحكام الحج وحكم الحيض والطلاق والإيلاء وأقاصيص الأنبياء وبين حكم الربا، ذكر تعظيمه سبحانه بقوله سبحانه وتعالى :﴿ للَّهِ ما فِي السماوات وَمَا فِي الأرض ﴾ ثم ذكر تصديق نبيه ﷺ ثم ذكر تصديق المؤمنين بجميع ذلك فقال :﴿ آمَنَ الرسول بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ ﴾ أي صدّق الرسول بجميع هذه الأشياء التي جرى ذكرها وكذلك المؤمنون كلهم صدّقوا بالله وملائكته وكتبه ورسله.


الصفحة التالية
Icon